الإنفاق كلمة عربية تعني الصرف، وهي ظاهرة طيبة، تتجسد بمدّ يد العون إلى الطبقات الضعيفة، وسدّ حوائج البيوتات الفقيرة. وتكون بضم نية القربة عبادة من العبادات. ومن جانب آخر تمثل حالة إنسانية تحكي شعور الفرد بالآخرين وإحساسه بمعاناة وهموم غيره ومواساته لهم مما يركز الروابط الاجتماعية بين الأفراد، وهو علامة على التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم، قال سبحانه: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله)[1].
وقال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ)[2].
ومن الموارد المهمة في مجال الإنفاق الإنفاق على العيال، قال الله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[3].
وقال تعالى: (وأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ الله)
في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): (يا علي لا صدقة وذو رحم محتاج)[4].
والإنفاق على العيال وإن كان أمراً جرى مجرى العادة عند أغلب الأسر، إلا أنه لا ينافي قصد الأجر والثواب في هذا السلوك، فيستطيع من يكد لتحصيل لقمة العيش أن يقصد في كده وسعيه وجه الله وثواب الآخرة، إذ لا ثواب بدون القربة، بل هو باب للتوفيق وزيادة العطاء من الواهب الكريم جل وعلا.
كما ينبغي للعامل أن يجتنب تحصيل الحرام والشبهة، ويحصل على رزقه بطرق الحلال، فكسب الحرام وإنفاقه أعظم الذنوب وأشد المعاصي.
وينبغي أن يراعي الاقتصاد في التحصيل والإنفاق، فلا يقع في الإقتار فيحصل التقصير في نفقة العيال، ولا يقترف الإسراف، لأن الإسراف في طلب المال ربما يضيّع العمر في الكد والتعب، ويؤثر على العبادات والمستحبات والآداب، فيكون صاحبه من الخاسرين.
وفي الحث على التوازن في الكد والإنفاق قوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)[5].
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)[6].
وقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)[7].
ويصور لنا إمامنا الصادق (عليه السلام) هذه الحالة الوسطية التي حثّ عليها القرآن الكريم أنه حينما تلا هذه الآية:
(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)، قَالَ: فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ حَصًى، وَقَبَضَهَا بِيَدِهِ، فَقَالَ: (هذَا الْإِقْتَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ) ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً أُخْرى، فَأَرْخى كَفَّهُ كُلَّهَا، ثُمَّ قَالَ: (هذَا الْإِسْرَافُ) ثُمَّ أَخَذَ قَبْضَةً أُخْرى، فَأَرْخى بَعْضَهَا، وَأَمْسَكَ بَعْضَهَا، وَقَالَ: (هذَا الْقَوَامُ)[8].
ومن الأمور التي يجب مراعاتها في الإنفاق على العيال أنه ينبغي على المنفق ألا يستأثر نفسه أو بعض عياله بمأكول طيب، ولا يطعم سائرهم من طعام غيره، فان ذلك يكسر القلب، ويوغر الصدر، ويؤثر سلباً على حسن العشرة، هذا مع عدم الاضطرار إلى ذلك لمرض أو ضعف أو غير ذلك، أما مع الاضطرار فلا بأس بذلك.
والأفضل كذلك للمنفق ألا يصف عند عياله طعاماً ليس يريد إطعامهم إياه، لأي سبب كان، فإن ذلك يزعجهم ويؤذيهم، وأن يقعد عياله كلهم على مائدة عند الأكل فقد روى: ان الله وملائكته يصلون على أهل بيت يأكلون في جماعة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (47)