حواء بعيون السماء

  لِلمرأةِ إطلالةٌ على الدنيا تزيدها قيمةً وإقبالاً، وتُضفي عليها رَونقاً يكسوها حلةً وجمالاً، وهي غصنُ ريحانٍ ناعمٌ بطبعه، ذو عطرٍ في نفسِهِ، ممتلئ بالعاطفة، يعيش الأحاسيس في كل جوانبه، تأخذه الكلمات الرقاق، ويُهلكه البعد والشقاق، تلك إذن هي حوّاء.

  هذه الخصال والأَوصاف التي اكتنفتها شخصية المرأة، واحتواها كيانها الرقيق، هي التي كانت سبباً في اهتمام السماء، ورعاية الرسالات، حتى بالغت شرائع الله بها أشدّ المبالغة، وأولتها أيُّما اهتمام، حتى وصل الحدُّ بذلك الاهتمام ألّا تُطمِّع المرأةُ الرجالَ بنفسها مطلقاً، حتى في تقاسيم الوجه والبدن ولحن الكلام، لئلا يطمع الذي في قلبه مرضٌ.

  ورُبَما يُعدُّ ذلك الاهتمام الزائد من قبل الله وشرائعه بالمرأة تَعدّياً على حقوقها في الحياة بنظر بعض القراءات البشرية، ذلك لأنها جنسٌ لطيفٌ جميلٌ، فلا بدَّ من أخذ شوطهِا في الحياة دُونَما أيِّ قيودٍ، ويترك لها حرية الحقوق والحريات بشكل مطلق من دون تحييد أو تضييق، ووفقاً لهذه النظرة والرؤية دخلت المرأة ميادين الحياة من أوسع أبوابها، وعملت في كل عمل وإن كان من شأنه الحطّ من كرامتها، فكانت هي الممثلة التي تمارس المشاهد الساخنة أو المجانبة للعفة بعنوان الفن والتمثيل، وهي عارضة الأزياء العارية التي تتصفحها عيون الرجال في سبيل لقمة العيش، وهي تلك المطربة التي تتميّع أمام الرجال بتلك الألحان والكلمات بعنوان الفن والطرب.

  ولم يقع ضحية تلك الرؤية أو التشريعات إلا تلكم المرأة المسكينة التي ظنت كلَّ ظنها أنها في الطريق الصحيح، فالتفت من التفتت إلى حالها وتغيرت، وبقيت من بقيت على حالها وخسرت عاقبتها.

  هذا بالنسبة إلى رؤية أَهل الأَرض، وأَمَّا رؤية السماء فهي مغايرة لأكثر ما تراه رؤية الأرض، فتتفق معها في بعض وتختلف معها في البعض الكثير، فترى السماءُ أنَّ المرأةَ موجودٌ مهمُّ، يتمتع بالحصانة الإلهية الكبيرة، ولا بدّ له وأن يعيش كريماً عزيزاً عفيفاً، لا تُقلّبه الأَجواء، ولا تَنال منه الأَهواء.

  فترى السماء أنها لؤلؤةً لا بدَّ من صَدَفٍ يَحفظها، وهي كَنزٌ ثمينٌ لا بدَّ من المبالغة في الحفاظ عليه، وهي حلوى يجب علينا أن نحيطها عنايةً من ذباب البشر.

  فهذه رؤية السماء التي خَلَقتْ وكَوَّنتْ وشَكّلت بيديها تلك الأُنوثةَ الغَالية، وهي التي أَرادتِ الحفاظَ عليها بتلك الأَحكام والشَّرائع، لعلمِها بما لها وما عليها، وبما يكون أَقرب لنفعها من ضرّها.

  فعسى أن تتمَّ المقارنةُ بين الرؤيتين بشيء من الإنصاف، ليحيَّ من حيَّ عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بيّنة.