هل الإمامة بالتعيين من قبل الله عز وجل أم بالشورى، أم بأمور أخرى؟
الجواب: أجمع علماء الشيعة على أن الإمامة بالنص من الله تعالى، وإنّ الله سبحانه لم يجعل الخلافة والإمامة شورى، ولم يترك للمسلمين اختيار مَنْ يحكمهم، بل اختار لهم الأصلح في دينهم ودنياهم، ويدلّ علىٰ ذلك أُمور:
الأمر الأول: قال سبحانه: (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[1].
وحيث ان الإمامة امتداد للنبوة، فيكون حكم الإمامة حكم النبوة من هذه الجهة، وهي إن الاختيار يكون بيد الله عز وجل.
الأمر الثاني: إنّ الشورى أو غيرها من الطرق التي تسبّب الاختلاف والتنازع؛ وهذا ما وقع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) في سقيفة بني ساعدة، واستمرّ الخلاف بسبب ذلك إلىٰ يومنا هذا، مع أنّ غايات الشارع المقدّس إغلاق كلّ باب يؤدّي إلىٰ النزاع، وسدّ كلّ ثغرة تؤدّي إلىٰ الخلاف.
وعليه، فلا يمكن أن يفتح الله للمسلمين باباً يؤدّي إلىٰ الفرقة مع إمكان النصّ علىٰ الخليفة الّذي تجتمع عليه الأُمّة وتتّحد به الكلمة، ولعلّه لذلك قال الشيخ أبو عليّ ابن سينا: (.. والاستخلاف بالنصّ أصوب؛ فإنّ ذلك ـ أي الشورى ـ يؤدّي إلىٰ التشعّب والتشاغب والاختلاف)[2].
الأمر الثالث: إنّ منصب الخلافة الكبرى والإمامة العظمى من أهمّ المناصب الدينية الّتي تترتّب عليها أعظم المصالح وأشدّ المفاسد، فلا يصحّ إيكالها إلىٰ الناس الّذين لا يعلمون بخفايا النفوس وخبايا القلوب؛ إذ لا يؤمن حينئذٍ من اختيار أهل الشقاق والنفاق خلفاء علىٰ المسلمين وأئمّة للمؤمنين، فيحرّفون الكتاب، ويبدلّون السُنّة، ويحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام، ويتّخذون عباد الله خولاً ومال المسلمين دولاً.
الأمر الرابع: إنّ الشورى مبنية علىٰ اختيار الأكثر، والله سبحانه وتعالى لم يجعل ذلك علامة علىٰ الحقّ، بل ذمّ الكثرة في آيات كثيرة من كتابه العزيز فقال جلّ شأنه: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)[3].
وقال: (لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)[4].
وقال: (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[5]، وردت هذه الأجوبة في كتاب: كشف الحقائق، للشيخ علي آل محسن: ٢٥٣ ـ ٢٥٦، بتصرفٍ.
وممّن وافق الشيعة علىٰ أنّ الإمامة بالنصّ والتعيين من أهل السُنّة جماعة من المعتزلة، منهم: النظّام، الّذي قال: (لا إمامة إلّا بالنصّ والتعيين ظاهراً مكشوفاً، وقد نصّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) علىٰ عليّ (رضي الله عنه) في مواضع، وأظهره إظهاراً لم يشتبه علىٰ الجماعة، إلّا أنّ عمر كتم ذلك، وهو الّذي تولّىٰ بيعة أبي بكر يوم السقيفة)[6].
مجلة اليقين العدد (46)