الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام وإن الأرض لا تخلو من حجة

1 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ (عليه السلام) قَالَ: (إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ للهِ عَلَى خَلْقِه إِلَّا بِإِمَامٍ حَتَّى يُعْرَفَ)[1].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ للهِ عَلَى خَلْقِه إِلَّا بِإِمَامٍ حَتَّى يُعْرَفَ)، لعلَّ المراد أنَّ حجتّه تعالى على الخلق يوم القيامة بأنّك لِمَ اعتقدت هذا؟ ولِمَ قلت هذا؟ ولِمَ فعلت هذا؟ ولِمَ تفعل ذاك؟ لا يتمُّ إلّا بسبب نصب إمام يُبيّن لهم العقليّات والعمليّات لظهور أنَّ عقول البشريّة لا تستقلُّ بتعيين العقائد والأعمال.

وقوله (عليه السلام): (حَتَّى يُعْرَفَ)، إمّا بتشديد الرَّاء يعني حتّى يعرِّف الإمام ما ينبغي من العقائد والأعمال.

أو بتخفيفها على البناء للمفعول أي حتّى يعرف الإمام أو الحق والباطل وفي بعض النسخ (حيٌّ) وفي بعضها (حقّ) بدل حتّى.

2- عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): (الْحُجَّةُ قَبْلَ الْخَلْقِ ومَعَ الْخَلْقِ وبَعْدَ الْخَلْقِ) [2].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (الْحُجَّةُ قَبْلَ الْخَلْقِ ومَعَ الْخَلْقِ وبَعْدَ الْخَلْقِ)، الحجّة قبل الخلق في الميثاق، ومع الخلق في هذه الدَّار، وبعد الخلق في دار الآخرة والبرزخ، ويحتمل أن يراد بالحجّة قبل الخلق آدم وبالحجّة بعد الخلق الصاحب المنتظر لأنّه آخر مَن يموت وبالحجّة مع الخلق سائر الأنبياء والأوصياء.

وبالجملة هذا الحديث يفيد أنّه لابدَّ لله تعالى من حجّة على الخلق حتّى أنَّ لزمانهم بداية ونهاية وما بينهما لا يخلو منه فمن زعم أنَّ الزَّمان خال منه فهو ضالٌّ مضلٌّ وميتته ميتة جاهليّة.

3- عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): (تَكُونُ الأَرْضُ لَيْسَ فِيهَا إِمَامٌ؟ قَالَ: (لَا)، قُلْتُ: يَكُونُ إِمَامَانِ؟ قَالَ: (لَا إِلَّا وأَحَدُهُمَا صَامِتٌ) [3].

الشرح:

قوله: (قُلْتُ يَكُونُ إِمَامَانِ؟ قَالَ: (لَا...) في طريق العامّة أيضاً ما يدلُّ على اعتبار الوحدة في الإمام، قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال وحديث: (إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما)، يدلُّ على أنَّ شرطها الوحدة وعدم التعدُّد، وقال بعضهم: إنَّ هذا الشرط إنّما هو بحسب الإمكان فلو بعُد موضع إمام حتّى لا ينفذ حكمه في بعض الأقطار البعيدة جاز نصب غيره بذلك القطر.

وفيه إنَّ الكلام في خليفة الأصل وإلاّ فيجوز التعدُّد في نائبه قطعاً، اللّهمَّ إلّا أن يقول ذلك القائل: إنّه يجوز لأهل الأقطار البعيدة أن ينصّبوا لأنفسهم خليفة كما نصّبوا أوَّلاً، وفي شرح نهج البلاغة: أنَّ في آخر الزَّمان لا يكون في كلِّ وقت وزمان إلّا إمام واحد، وأمّا الأنبياء والأوصياء في الزَّمن الأوَّل كانوا في عهد واحد جماعة كثيرة وفي آخر الزَّمان مذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قيام الساعة لا يكون في كلِّ حين إلّا وصيّ واحد.

4- عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ سَمِعْتُه يَقُولُ: (إِنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وفِيهَا إِمَامٌ كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ وإِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّه لَهُمْ)[4].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (إِنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وفِيهَا إِمَامٌ)، أي لا تخلو من الخلق، من الخلوّ وهو الخالي، أو لا تمضي، من خلا فلان إذا مضى، أو لا تكثر نباتها ولا تنبت حشيشها من أخلت الأرض إذا كثر خلاها وهو النبات الرَّطب.

قوله (عليه السلام): (كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ) الظاهر أنَّ المراد بالمؤمنين كلّهم ففيه دلالة على أنَّ إجماعهم حجّة وإلاّ لزم أن يترك الإمام ما وجب عليه وهو باطلٌ قطعاً.

5- عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: (مَا زَالَتِ الأَرْضُ إِلَّا وللهِ فِيهَا الْحُجَّةُ يُعَرِّفُ الْحَلَالَ والْحَرَامَ ويَدْعُو النَّاسَ إِلَى سَبِيلِ الله)[5].

الشرح:

قوله: (مَا زَالَتِ الأَرْضُ إِلَّا وللهِ فِيهَا الْحُجَّةُ - الخ)، أي ما زالت الأرض من حال إلى حال وما مضى عصر من الأعصار إلّا ولله تعالى فيه حجّة والغرض أنَّ له تعالى في الأرض بعد نبيّنا (صلى الله عليه وآله) إلى وقت زوالها حجّة يعرّف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله ويجذبهم إلى طاعته وانقياد أمره ونهيه كيلا يقولوا يوم القيامة (إنّا كنّا عن هذا غافلين).

6 - عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليه السلام) قَالَ: (إِنَّ الله لَمْ يَدَعِ الأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ ولَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ)[6].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ) النفس تألف بالمحسوسات والوهميّات والمتخيّلات المؤدية إلى الباطل والشبهات فلو لم يكن استاذٌ مرشدٌ مؤيّدٌ من عند الله تعالى بالعصمة عن الخطأ والغلط في العقائد والأقوال والأعمال من جميع الوجوه لمالت كلُّ نفس إلى هواها والتبس عليها الحقُّ والباطل، فربما يعتقد أنَّ الحقَّ باطلٌ والباطلَ حقٌّ كما ترى في كثير من المتّكلين بعقولهم من الحكماء والمتكلّمين، هذا على فرض بقاء الأرض وأهلها بغير إمام وإلاّ فالحقُّ الثابت أنّه لا بقاء لهما بدونه طرفة عين.

7- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: (إِنَّ الله أَجَلُّ وأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ عَادِلٍ)[7].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (إِنَّ الله أَجَلُّ وأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ عَادِلٍ)، وهو الحجّة لله تعالى على الخلق كما قال جلَّ شأنه (لئلا يكون للناس على الله حجّة).

واعلم أنَّ الإماميّة تمسّكوا على وجوب وجود الإمام من قبله تعالى بعد الآيات والرِّوايات المنقولة من طرق العامّة والخاصّة البالغة حدَّ التواتر معنى بأنّه إذا كان للخلق رئيس قاهر يمنعهم من المحظورات ويحثّهم على الواجبات كانوا معه أقرب إلى الطاعات وأبعد عن المعاصي منهم بدونه واللّطف واجب على الله تعالى.

واعترض عليهم المخالفون وقالوا: إنّما يكون لطفاً واجباً إذا كان ظاهراً زاجراً عن القبائح قادراً على تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء كلمة الإسلام وهذا ليس بلازم عندكم فالإمام الّذي ادَّعيتم وجوبه ليس بلطف والّذي هو لطف ليس بواجب.

وإلاماميّة أجابوا عن ذلك بأنَّ وجود الإمام لطف سواء تصرَّف أو لم يتصرَّف كما نقل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلاّ يبطل حجج الله وبيّناته). وتصرُّفه الظاهر لطف آخر.

والحقُّ أنَّ الرئيس العالم العادل المتصرِّف لطف منَّ الله تعالى به على عباده وإنما جاء عدم التصرُّف من سوء آدابهم كما أنَّ النهي عن شرب الخمر مثلاً لطف صدر منه تعالى وإنّما جاء عدم قبوله من قبل العبد على انَّ عدم تصرُّفه ممنوع لأنَّ له تصرُّفات عجيبة في نوع الإنسان وتدبيرات غريبة في عالم الإمكان يرى ذلك مَن له عين صحيحة وطبيعة سليمة.

8- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ يَثِقُ بِه مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ: (اللهمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلَى خَلْقِكَ)[8].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (اللهمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلَى خَلْقِكَ)، لا تخلي: من الإخلاء أي لا تجعلها خالية منه، وهذا الكلام في اللّفظ إخبار وفي المعنى إنشاء للتأسّف بإعراض الخلق عنه أو للشكاية منهم إليهم تعالى.

9- عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): (إِنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ وأَنَا والله ذَلِكَ الْحُجَّةُ)[9].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (إِنَّ الأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ وأَنَا والله ذَلِكَ الْحُجَّةُ)، أُريد أنَّ الأرض في الحال لا تخلو من حجّة بدليل قوله (عليه السلام): (أنا والله ذلك الحجّة)، ولو أُريد جميع الأزمنة لاحتيج في هذا القول إلى تأويل وإنّما أكّد الحكم بالقسم لرفع الشكّ عن الشاكِّ وزيادة التقرير للمقرِّ.

10- عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): (أتَبْقَى الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ قَالَ لَوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ) [10].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (لَسَاخَتْ): أي لغاصت في الماء وغابت، ولعلّه كناية عن هلاك البشر وفنائهم، ويحتمل أن يريد الحقيقة لأنَّ الغرض الأصلي من انكشاف بعض الأرض هو أن يكون مسكناً لهم وكونه مسكناً لغيرهم من الحيوانات المتنفّسة إنّما هو بالعرض فإذا فات الغرض الأصلي عاد إلى وضعه الطبيعي.

11- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَالَ قُلْتُ لَه أتَبْقَى الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ قَالَ: (لَا)، قُلْتُ فَإِنَّا نُرَوَّى عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهَا: (لَا تَبْقَى بِغَيْرِ إِمَامٍ إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ الله تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ أَوْ عَلَى الْعِبَادِ)، فَقَالَ: (لَا، لَا تَبْقَى إِذاً لَسَاخَتْ)[11].

الشرح:

قوله: (أَوْ عَلَى الْعِبَادِ) الشكُّ من ابن فضيل أو ممّن روى عنه.

قوله (عليه السلام): (لَا، لَا تَبْقَى إِذاً لَسَاخَتْ)، نفى بلا ما يفهم من كلام الرَّاوي من أنَّ الأرض تبقى بغير إمام وأهلها مبغوضين ثمَّ بيّن الأمر بأنّها لا تبقى بغير إمام بل تغوص في الماء.

12- عَنْ أَبِي هَرَاسَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: (لَوْ أَنَّ الإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الأَرْضِ سَاعَةً لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِه)[12].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِه)، ماج البحر يموج موجاً اضطربت أمواجه وكذلك الناس يموجون، فقد شبّه (عليه السلام) اضطراب الأرض وأهلها بموج البحر وأهله للإيضاح وكنّى به عن زوالها وزوال أهلها لأنّ الاضطراب المذكور يستلزمها والباء في الموضعين للتعدية أو بمعنى مع.

مجلة بيوت المتقين العدد (36 - 37)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧٧.

[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧٧.

[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧8.

[4] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧٨.

[5] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧٨.

[6] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧٨.

[7] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧٨.

[8] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧٨.

[9] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧9.

[10] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧9.

[11] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧9.

[12] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص١٧9.