ذَكَر صاحب كتاب (مناظرات في العقائد والأحكام: ج2، ص66) الشيخ عبد الله الحسن: أن الشيخ المفيد سُئل يوماً: ما الدليل على وجود الإمام صاحب الغيبة (عليه السلام)، فقد اختلف الناس في وجوده؟
فقال الشيخ للسائل: إنّا وجدنا الشيعة الإمامية فرقة ملأت الأرض شرقاً وغرباً، متديّنين معروفين بتحريم الكذب عندهم، عالمين بقبحه، ينقلون عن أئمتهم وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ الثاني عشر يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون»[1]، ويحكون أنّ الغيبة تقع على ما هي عليه.
قال السائل: فلعل قوماً تواطئوا، فوضعوا هذه الأخبار ونقلتها الشيعة، وهي غير عالمة بالأصل كيف كان.
فقال الشيخ: معنى كلامك الطعن في جميع الأخبار، لأنّ قائلاً لو قال للمسلمين في نقلهم لمعجزات النبي(صلى الله عليه وآله): لعلها في الأصل موضوعة، ولعل قوماً تواطئوا عليها، فنقلها من لا يعلم حالها، وهذا طريق لإبطال الشرائع.
قال السائل: فأرنا طرق هذه الأخبار؟
قال الشيخ: الأول ما روته العامّة والخاصة، وهو خبر كميل بن زياد قال: (دخلت على أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو ينكث في الأرض، فقلت له: يا مولاي مالك تنكث الأرض؟ أرغبة فيها؟ فقال(عليه السلام): «والله ما رغبت فيها ساعة قط، ولكني أفكر في التاسع من ولد الحسين(عليه السلام)، هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملأت ظلماً وجوراً، تكون له غيبة يرتاب فيها المبطلون، يا كميل، لا بدّ لله في أرضه من حجة، إما ظاهر مشهور شخصه، وإما باطن مغمور؛ لكيلا تبطل حجج الله»)[2].
وما روي عن الباقر(عليه السلام): إن الشيعة قالت له يوماً: أنت صاحبنا الذي يقوم بالسيف؟
قال: «لست بصاحبكم، انظروا من خفيت ولادته، فيقول قوم: ولد، ويقول قوم: ما ولد، فهو صاحبكم»[3].
وما روي عن الصادق(عليه السلام) إنه قال: «كيف بكم إذا التفتّم يميناً فلم تروا أحداً! والتفتّم شـمالا فلم تروا أحداً! واسـتوت أقدام بني عبـد المطّلب، ورجع عن هذا الأمر كثير ممّن يعتـقده، يمسـي أحدكم مؤمناً ويصبح كافراً، فالله الله في أديانـكم، هناك فانتظروا الفرج»[4].
وما روي عن موسى بن جعفر(عليه السلام) إنه قال: «أذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن فالرابع هو القائم صلوات الله عليه وعليهم»[5].
قال السائل: أفلا كان مع الشيعة من ينقل هذه الأخبار؟
فقال له: هذا غير لازم ولا واجب، ولو وجب لوجب أن لا يصحّ خبر لا ينقله المؤلف والمخالف، وبطلت الأخبار كلها.
فقال السائل: فإذا كان الإمام (عليه السلام) غائباً طول هذه المدة لا يُنتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه؟
قال له: إن الله سبحانه إذا نصب دليلاً وحجة على سائر خلقه فأخافه الظالمون، كانت الحجة على من أخافه لا على الله سبحانه، ولو أعدمه الله، كانت الحجة على الله لا على الظالمين، وهذا الفرق بين وجوده وعدمه.
قال السائل: ألا رفعه الله إلى السماء، فإذا آن قيامه أنزله؟
فقال له: ليس هو حجة على أهل السماء، إنّما هو حجة على أهل الأرض، والحجة لا تكون إلا بين المحجوجين به.
مجلة اليقين، العدد (30)، الصفحة (8 - 9).