هي ليلة من ليالي الله المباركة، ولحظة فاصلة في تاريخ الخليقة، حملت في طيّاتها بشائر السّماء، امتزجت فيها لحظات ونفحات التعبّد والتهجّد، ولحظات سرور وأفراح الخلائق بمولد المنقذ الموعود(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وفي صبيحتها من العام (255) للهجرة المباركة أشرقت على عالم الإمكان شمس الموعود، وتلألأت أرجاء السماوات والأرض بأنوار الملكوت، أقبل على عالمنا في مهمّة تكمل مشروع السّماء، وتتكفّل بإتمام أهداف المرسلين والأنبياء(عليهم السلام)، يقوّي شوكة الدّين، ويلملم شتات المؤمنين، ويرفع راية نصرة المظلومين والمحرومين، ويمسح على رؤوس العالمين بيد العقل والعقلانية فيجمع بينهم على دين الله الواحد الأحد، وعلى شريعة رسول الله الخاتم الأمجد(صلى الله عليه وآله)، فتصطفّ الخليقة بإنسها وجِنّها، خلف راية الحقّ والعدل، وتنطلق مسيرة جديدة على أرجاء المعمورة، ويعزّ دين الله تعالى ورسالاته وأنبيائه وأوصياء أنبيائه والمؤمنين في كلّ مكان (وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[1]، وتنظّف الأرض من قذارات الظّالمين والمفسدين، ومن مناهجهم الجائرة، وقياساتهم الباطلة، فلا يدع منهم «رُكْناً إِلَّا هَدَّهُ، وَلَا هَاماً إِلَّا قَدَّهُ، وَلَا كَيْداً إِلَّا رَدَّهُ، وَلَا فَاسِقاً إِلَّا حَدَّهُ، وَلَا فِرْعَوْنَ إِلَّا أَهْلَكَهُ، وَلَا سِتْراً إِلَّا هَتَكَهُ، وَلَا عَلَماً إِلَّا نَكَّسَهُ، وَلَا سُلْطَاناً إِلَّا كَبَسَهُ، وَلَا رُمْحاً إِلَّا قَصَفَهُ، وَلَا مِطْرَداً إِلَّا خَرَقَهُ، وَلَا جُنْداً إِلَّا فَرَّقَهُ، وَلَا مِنْبَراً إِلَّا أَحْرَقَهُ، وَلَا سَيْفاً إِلَّا كَسَرَهُ، وَلَا صَنَماً إِلَّا رَضَّهُ...»[2]، نعم هذا الوعد الّذي وعده الله تعالى المؤمنين في كلّ مكان: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[3]، (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[4]، وذلك اليوم الموعود هو قريب ليس ببعيد بمشيئة الله تعالى وإرادته (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ)[5].
مجلة اليقين العدد (61)