عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (..أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُوم إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ..).
اسمه وكنيته ونسبه:
أبو عبد الله، عثمان بن حُنيف بن واهب الأنصاري.
ولادته:
لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ومكانها، إلّا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري.
صحبته:
كان(رضي الله عنه) من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) والإمام علي(عليه السلام).
جوانب من حياته:
* اشترك مع النبي(صلى الله عليه وآله)في معركة أُحد وما بعدها من المعارك.
* كان من السابقين الأوّلين الذين رجعوا إلى الإمام علي(عليه السلام).
* عيّنه الإمام علي(عليه السلام) والياً على البصرة.
* اشترك مع الإمام علي(عليه السلام) في حرب الجمل.
* كان من شرطة الخميس، ومن أمرائهم في الكوفة.
موقفه من خلافة أبي بكر:
أنكر(رضي الله عنه) على أبي بكر جلوسه على عرش الخلافة، وتقدّمه على الإمام علي(عليه السلام) بقوله: سمعنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدّموهم، وقدّموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، وأيّ أهل بيتك؟ فقال: علي والطاهرون من ولده. وقد بيّن(صلى الله عليه وآله) فلا تكن يا أبا بكر أوّل كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)[1].
الكتاب الذي أرسله الإمام علي (عليه السلام) لابن حنيف:
وكان في وقتها عثمان بن حنيف عامله على البصرة وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها وفيه يقول الإمام (عليه السلام): (أَمَّا بَعْدُ، يَابْنَ حُنَيْف فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأدُبـَة فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الألوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ قَوْم، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ. فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضِمُهُ مِنْ هذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أيْقَنَتَ بِطِيبِ وَجهِهِ فَنَلْ مِنْهُ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُوم إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ. أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَع وَاجْتِهَاد، وَعِفَّة وَسَدَاد. فَوَالله مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً، وَلاَ حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً، وَلاَ أَخَذْتُ مِنْهُ إلاَّ كَقُوتِ أَتَان دَبِرَة، وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَأَهْوَنُ مِنْ عَفْصَة مَقِرَة. بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْم، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قُوْم آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ. وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَك وَغَيْرِ فَدَك، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَد جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أثارها .....)[2].
موقفه من الناكثين:
لمّا وصل الناكثون إلى ضواحي البصرة عسكروا، وكتبوا إلى عثمان بن حُنيف أن أخل لنا دار الامارة، لكنّه لم يجبهم على كتابهم منتظراً كتاب الإمام علي(عليه السلام) ورأيه في ذلك.
ثمّ إنّ الإمام علي(عليه السلام) بعث كتاباً إلى عثمان جاء فيه: أمّا بعد، فإنّ البغاة عاهدوا الله ثمّ نكثوا، وتوجّهوا إلى مصرك، وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى الله به، والله أشدّ بأساً، وأشدّ تنكيلاً، فإذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه، فإن أجابوا فأحسن جوارهم ما داموا عندك، وإن أبوا إلّا التمسّك بحبل النكث والخلاف، فناجزهم القتال حتّى يحكم الله بينك وبينهم، وهو خير الحاكمين، وكتبت كتابي هذا إليك من الربذة، وأنا معجل المسير إليك إن شاء الله.
ثمّ إنّ عثمان أمر أبا الأسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعي أن يسيرا الى القوم ويكلّموهم، فانطلقا حتّى وصلا إلى معسكر القوم، وكلّما عائشة وطلحة والزبير، ثمّ رجعا إلى عثمان فاخبراه برأيهم، وأنّهم يريدون قتاله أمر عثمان مناديه فنادى في الناس: السلاح، السلاح، فاجتمعوا إليه وأخبرهم بما في نية القوم، وأمرهم بالوقوف على أبواب المدينة لمنعهم من الدخول إليها. أقبل طلحة والزبير من المعسكر يريدان عثمان وجداه وأصحابه قد أخذوا بأفواه السكك فمضيا بمَن معهما حتّى انتهوا إلى موضع الدبّاغين فاستقبلهم أصحاب ابن حُنيف وتقاتلا. وفي الصباح من غد صفّا للحرب، وخرج عثمان بن حُنيف إليهما في أصحابه فناشدهما الله والإسلام، وأذكرهما بيعتهما علياً(عليه السلام)، فقالا: نطلب بدم عثمان، فقال لهما: وما أنتما وذاك أين بنوه؟ أين بنو عمّه الذين هم أحقّ به منكم! كلاّ والله ولكنّكما حسدتماه، حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر، وتعملان له! وهل كان أحد أشدّ على عثمان قولاً منكما، فشتماه شتماً قبيحاً. ثمّ إنّ عثمان حمل عليهم، واقتتل الناس قتالاً شديداً، ثمّ تحاجزوا واصطلحوا على أن يكتب بينهم كتاب صلح فكتب: هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حُنيف الأنصاري ومَن معه من المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وطلحة والزبير ومَن معهما من المؤمنين والمسلمين من شيعتهما، أنّ لعثمان بن حُنيف دار الامارة والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر، وأنّ لطلحة والزبير ومَن معهما أن ينزلوا حيث شاءوا من البصرة، ولا يضار بعضهم بعضاً في طريق ولا فرضة ولا سوق ولا شرعة ولا مرفق، حتّى يقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فإن أحبّوا دخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة، وإن أحبّوا لحق كلّ قوم بهواهم، وما أحبّوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامة، وعلى الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه، وأشدّ ما أخذه على نبيّ من أنبيائه، من عهد وذمة. وختم الكتاب، ورجع عثمان بن حُنيف حتّى دخل دار الامارة وقال لأصحابه: الحقوا رحمكم الله بأهلكم، وضعوا سلاحكم، وداووا جرحاكم، فمكثوا كذلك أيّاماً. ثمّ إنّ طلحة والزبير قالا: إن قدم علي ونحن على هذه الحال من القلّة والضعف ليأخذن بأعناقنا، فأجمعا على مراسلة القبائل واستمالة العرب، فأرسلا إلى وجوه الناس وأهل الرياسة والشرف، يدعوانهم إلى الطلب بدم عثمان، وخلع علي، وإخراج ابن حُنيف من البصرة. فبايعهم على ذلك الأزد وضبّة وقيس بن عيلان كلّها إلّا الرجل والرجلين من القبيلة، كرهوا أمرهم فتواروا عنهم. فلمّا استوثق لطلحة والزبير أمرهما، خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، ومعهما أصحابهما، قد ألبسوهم الدروع، وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر، وقد سبقهم عثمان بن حُنيف إليه، وأقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان ليصلّي بهم فأخّره أصحاب طلحة والزبير، وقدّموا الزبير، فجاءت السبابجة، وهم الشرط حرس بيت المال، فأخرجوا الزبير، وقدّموا عثمان، فغلبهم أصحاب الزبير، فقدّموا الزبير وأخّروا عثمان. فلّما انصرف الزبير من صلاته، صاح بأصحابه المسلّحين: أن خذوا عثمان بن حُنيف، فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفيهما، فلمّا أُسر ضرب ضرب الموت، ونتف حاجباه وأشفار عينيه، وكلّ شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا السبابجة وهم سبعون رجلاً، فانطلقوا بهم وبعثمان بن حُنيف إلى عائشة، فقالت لأبان بن عثمان بن عفّان: اُخرج إليه فاضرب عنقه، فإنّ الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله. فنادى عثمان: يا عائشة، ويا طلحة ويا زبير، إنّ أخي سهل بن حُنيف خليفة علي بن أبي طالب على المدينة، وأقسم بالله إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم وأهليكم ورهطكم، فلا يبقي أحداً منكم. فكفّوا عنه، وخافوا أن يقع سهل بن حُنيف بعيالاتهم وأهلهم بالمدينة، فتركوه. وأرسلت عائشة إلى الزبير أن أقتل السبابجة، فذبحهم الزبير كما يذبح الغنم، وولي ذلك منهم عبد الله ابنه، وهم سبعون رجلاً، وبقيت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال، قالوا: لا ندفعه إليكم حتّى يقدم أمير المؤمنين، فسار إليهم الزبير في جيش ليلاً، فأوقع بهم، وأخذ منهم خمسين أسيراً فقتلهم صبراً. ثمّ أنّهم خيّروا عثمان بين أن يقيم أو يلحق بعلي، فاختار الرحيل، فخلوا سبيله، فلحق بعلي(عليه السلام)، فلمّا رآه بكى، وقال له: فارقتك شيخاً، وجئتك أمرد. فقال الإمام علي(عليه السلام): إنّا لله وإنّا إليه راجعون قالها ثلاثا)[3].
وفاته:
تُوفّي رضوان الله عليه في زمن معاوية بمدينة الكوفة[4].
مجلة بيوت المتقين العدد (36)