هناك خطأ فكريّ شائع في البلدان العربية وخصوصاً عند الفئة العمرية الشبابية وهو الإيمان بفكرة أنّ أيّ تطوّر أو ازدهار في الحياة بجميع مجالاتها لا يمكن أنْ يحصل للإنسان إلا بالعبور على جسر الغرب الذي شيّدته ثقافات الدول الكبرى من الناحية السياسية والعسكرية.
ووجه الخطأ في هذه الفكرة أنّها جعلت الإنسان في الدول النامية يَدفن طاقّاته وكفاءاته وحتى أفكاره تحت التراب ويرنو ببصره إلى ثقافات الأمم الأخرى ليقيس ويقوّم نفسه ومجتمعه من ناحية الازدهار والتقدّم إلى أمام.
ونحن لا نريد إلغاء هذا المفهوم من الواقع بحيث نقطع النظر تماماً عن العالم، وإنّما نقول هناك أمور تنطبق عليها هذه الفكرة وهي الأمور المادية وبعض البرامج السياسية، وربما نجد ـ عند التدبّر ـ ان أصولها عربية لكن لعدم التفعيل والتفاعل من قِبَل الأمم النامية اكتسبتْ تلك البرامج العنوان الأجنبي والذي تولّد عنه أخيراً الفكرُ الحداثوي.
يركّز هذا الفكر على التحلّل والتحرّر من قيود العادات والتقاليد والآداب التي يسمونها بالتقليدية القديمة حتّى لو كانت ناشئة من تعاليم وإرشادات دينية، والتناغم مع كل ما هو جديد لأنّ الجديد - فقط - يحكي عن العلم والتطوّر المطلق وهو ما يبحث عنه الشاب العربي في الوقت الحاضر.
ونحنُ - كما قلنا - لا نقفُ في طريق طموح الشاب العربي، ولا نريده أنْ يجمدَ على الماضي جمود جهل وعمى، لكنّا نسعى لتنظيم هذا الطموح والسيطرة على بوابة الفكر فيما يرد إليه ويصدر عنه، فليس من الطموح طرح التقاليد والآداب الاجتماعية أو الشعائر الدينة - خصوصاً أنها لا تصادم عجلة الحضارة - بل ندعم فكره وثقافته وحضارته ونزرع في نفسه الفخر والاعتزاز بها كما تنظر الشعوب الأخرى لثقافتها ولحضارتها.
والذي حدا بنا الى الكلام في هذا الموضوع هو أنَّ فتْحَ شبّاك ثقافتنا وإطلالتَنا من خلاله على الغرب ومعرفة منجزاته في حالة من غياب الوعي والتثقيف الحضاريين سار بالعنصر الشبابي إلى فقدان الثقة بما لدى مجتمعِه من أثر أو شاخص ثقافي وفكري، واللجوء إلى تقمّص اللون الغربي من السلوك البشري بصورة عامّة دون التفكير بمدى الانسجام مع بنية المجتمع الذي يعيش فيه، ممّا ساعد في حصول إرباك وتلكّؤ في السلوك الخاصّ والعامّ، فإنّ معايير المجتمع الغربي تختلفُ عن معايير مجتمعنا في الآداب والمنازل الأسريّة والاجتماعية، فإنّ هذا النوع من الإيمان بالتغيير والتأثّر بالآخر لا يُعتبر نقطة إيجابية في الطموح نحو الأفضل.
لابدّ لنا من اكتشاف أنفسنا بالتوافق مع متطلّبات واحتياجات العصر، وبدلاً من أنْ نقتلَ جذورَنا الفكرية والحضارية أمام المدّ الغربي لابدّ من النطق بلسانها العلمي الموضوعي بما يتناغم وطبيعتنا البشرية كمسلمين وكشرقيّين وما يلبي تطلعاتنا وحاجاتنا المجتمعية والمعرفية لتَدفعَ بنا نحو المستقبل في تحدّي الوجود واللاوجود الذي وضعتْنا في إعصاره رياح الثقافة المستوردة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (24)