قَال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله الْأَنْصَارِيِّ: يَا عَطِيَّةُ، هَلْ أُوصِيكَ وَمَا أَظُنُّ أَنَّنِي بَعْدَ هَذِهِ السَّفَرَةِ مُلَاقِيكَ، أَحِبَّ مُحِبَّ آلِ مُحَمَّدٍ مَا أَحَبَّهُمْ، وَأَبْغِضْ مُبْغِضَ آلِ مُحَمَّدٍ مَا أَبْغَضَهُمْ وَإِنْ كَانَ صَوَّاماً قَوَّاماً، وَارْفُقْ بِمُحِبِّ آلِ مُحَمَّدٍ...
اسمه ونسبه:
عطية بن سعد بن جنادة العوفي (الكوفي).
أبوه:
سعد بن جنادة وهو من بني جديل أول من أسلم من أهل الطائف[1]، وصحب النبي (صلى الله عليه وآله)، وروى عنه عددا من الأحاديث، وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان ممن عرف أمير المؤمنين (عليه السلام)، ووالاه وشارك معه في حروبه، وروى عنه بعض الأحاديث، منها: (عن سعد بن جنادة، عن علي، قال: أمرت بقتال القاسطين والناكثين والمارقين..)[2].
ولادته:
ولد عطية سنة 35 هجرية ونشأ على ولاء أهل البيت (عليه السلام).
وكان في خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما ولد عطية العوفي، جاء به أبوه إلى الإمام (عليه السلام) لكي يسمّيه، فقال هذه عطية الله، وسماه عطية.
نشأته:
نشأ عطية في الكوفة، ولذا لقبه بعضهم بالكوفي (إضافة إلى العوفي). وتشرب التشيع من أجوائها، وممن صحبهم فيها، ولعل أكثرهم تأثيراً فيه جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري (أو الكلبي).
رواية الحديث في أهل البيت:
سبب تضعيف عطية العوفي لدى الجمهور عدة أسباب منها: الأحاديث التي رواها والتي تتعلق بأهل البيت (عليه السلام) وخاصة الإمام علي (عليه السلام)، من قبيل: (حديث الثقلين)، عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي إلا انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)[3].
وحديث (أن الأئمة اثنا عشر)، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (الأئمة بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين (عليهم السلام) والتاسع قائمهم، فطوبى لمن أحبهم والويل لمن أبغضهم)[4].
وحديث (سفينة نوح)، وتفسير آية (..إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[5] ، في أهل البيت، عن عطية العوفي قال سألت أبا سعيد الخدري من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فعدهم في يده خمسة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين، قال أبو سعيد، في بيت أم سلمة أنزلت هذه الآية)[6].
وحديث الغدير، والمنزلة وسد الأبواب إلا باب علي (عليه السلام)، وحديث إعطاء النبي (صلى الله عليه وآله) فدكا، وقد روى خطبة الزهراء (عليه السلام) الفدكية. بلاغات النساء لابن طيفور. وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الإمام المهدي (عليه السلام)، عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (يخرج رجل من أهل بيتي...)[7]. وغيرها.
والسبب الآخر لتضعيف عطية العوفي هو: حبه وولاؤه لعلي بن أبي طالب (عليه السلام). ودليلنا على ذلك: هو ما نجده في قول الساجي، (ليس بحجة كان يقدم علياً على الكل)[8]. ولعل قول ابن سعد الذي يذكره ابن حجر شاهد آخر لما ندعيه.
قال ابن حجر العسقلاني: وقال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرضه على سبِّ علي، فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط، واحلق لحيته فاستدعاه فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه..)[9].
موقفه من بني أمية:
لم يكتف عطية العوفي فيما يظهر من حياته بمجرد الولاء النفسي والموقف الفكري، بل كان لديه رؤية واضحة في المجال السياسي، تجلت في موقفه المضاد للحكم الأموي معتمداً على ما رواه من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، عنه: (إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلاً اتخذوا دين الله دغلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً)[10].
دوره في ثورة المختار:
فقد شارك بدور فاعل في ثورة المختار الثقفي، وكان على رأس الجماعة الطليعيين والأقوياء الذين ارسلهم المختار إلى مكة المكرمة، لانقاذ الهاشميين الذين سجنهم عبد الله بن الزبير بعد أن رفضوا مبايعته، وعزم على إحراقهم في خندق إن لم يستجيبوا لبيعته.
عطية يروي قصة زيارة الحسين (عليه السلام):
صحراء مترامية الأطراف، ونهر يجري دون توقف، وروائح عطرة تنبعث من قبور متناثرة، ورجلان يغادران النهر نحو تلك الروائح المنبعثة، جاءا ليزورا الإمام الحسين (عليه السلام) فأرتبط اليوم بهما، وردد التاريخ ذكرهما انهما جابر بن عبد الله الانصاري، وعطية العوفي الراوي الثقة، يغمط حقه عادة مع أهمية دوره وربما لا يذكر اسمه في المحافل إلا في كونه غلاماً أو خادماً لجابر، ولم يكن غلاماً، وإنما هو تلميذ نجيب لجابر وراوٍ واع لأحاديثه وصاحب مواقف وإن ضعفه بعض رجاليي المسلمين كما اشرنا لذلك مع بيان السبب.
عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ:
خَرَجْتُ مَعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ زَائِرَيْنِ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عليهما السلام) فَلَمَّا وَرَدْنَا كَرْبَلَاءَ دَنَا جَابِرٌ مِنْ شَاطِئِ الْفُرَاتِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ائْتَزَرَ بِإِزَارٍ وَ ارْتَدَى بِآخَرَ، ثُمَّ فَتَحَ صُرَّةً فِيهَا سُعْدٌ فَنَثَرَهَا عَلَى بَدَنِهِ، ثُمَّ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا ذَكَرَ اللَّهَ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْقَبْرِ قَالَ أَلْمِسْنِيهِ، فَأَلْمَسْتُهُ فَخَرَّ عَلَى الْقَبْرِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَرَشَشْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الْمَاءِ فَأَفَاقَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا حُسَيْنُ ـ ثَلَاثاً ـ. ثُمَّ قَالَ: حَبِيبٌ لَا يُجِيبُ حَبِيبَهُ. ثُمَّ قَالَ:
وَأَنَّى لَكَ بِالْجَوَابِ وَ قَدْ شُحِطَتْ أَوْدَاجُكَ عَلَى أَثْبَاجِكَ، وَ فُرِّقَ بَيْنَ بَدَنِكَ وَ رَأْسِكَ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ النَّبِيِّينَ، وَابْنُ سَيِّدِ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنُ حَلِيفِ التَّقْوَى وَسَلِيلِ الْهُدَى، وَخَامِسُ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ، وَابْنُ سَيِّدِ النُّقَبَاءِ، وَابْنُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، وَمَا لَكَ لَا تَكُونُ هَكَذَا وَ قَدْ غَذَّتْكَ كَفُّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَ رُبِّيتَ فِي حَجْرِ الْمُتَّقِينَ، وَرَضَعْتَ مِنْ ثَدْيِ الْإِيمَانِ، وَفُطِمْتَ بِالْإِسْلَامِ، فَطِبْتَ حَيّاً وَ طِبْتَ مَيِّتاً، غَيْرَ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ طَيِّبَةٍ لِفِرَاقِكَ، وَلَا شَاكَّةٍ فِي الْخِيَرَةِ لَكَ، فَعَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَخُوكَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا.
ثُمَّ جَالَ بِبَصَرِهِ حَوْلَ الْقَبْرِ، وَقَالَ:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَرْوَاحُ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَاءِ الْحُسَيْنِ وَأَنَاخَتْ بِرَحْلِهِ، أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجَاهَدْتُمُ الْمُلْحِدِينَ، وَعَبَدْتُمُ اللَّهَ حَتَّى أَتَاكُمُ الْيَقِينُ، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَقَدْ شَارَكْنَاكُمْ فِيمَا دَخَلْتُمْ فِيهِ.
قَالَ عَطِيَّةُ: فَقُلْتُ لِجَابِرٍ، وَكَيْفَ وَلَمْ نَهْبِطْ وَادِياً، وَلَمْ نَعْلُ جَبَلًا، وَلَمْ نَضْرِبْ بِسَيْفٍ، وَالْقَوْمُ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ، وَأُوتِمَتْ أَوْلَادُهُمْ، وَأَرْمَلَتِ الْأَزْوَاجُ؟ فَقَالَ لِي: يَا عَطِيَّةُ، سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: (مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ فِي عَمَلِهِمْ). وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ نِيَّتِي وَنِيَّةَ أَصْحَابِي عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ وَأَصْحَابُهُ، خُذُوا بِي نَحْوَ أَبْيَاتِ كُوفَانَ.
فَلَمَّا صِرْنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ لِي: يَا عَطِيَّةُ، هَلْ أُوصِيكَ وَمَا أَظُنُّ أَنَّنِي بَعْدَ هَذِهِ السَّفَرَةِ مُلَاقِيكَ، أَحِبَّ مُحِبَّ آلِ مُحَمَّدٍ مَا أَحَبَّهُمْ، وَأَبْغِضْ مُبْغِضَ آلِ مُحَمَّدٍ مَا أَبْغَضَهُمْ وَإِنْ كَانَ صَوَّاماً قَوَّاماً، وَارْفُقْ بِمُحِبِّ آلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ إِنْ تَزِلَّ لَهُمْ قَدَمٌ بِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ ثَبَتَتْ لَهُمْ أُخْرَى بِمَحَبَّتِهِمْ، فَإِنَّ مُحِبَّهُمْ يَعُودُ إِلَى الْجَنَّةِ وَمُبْغِضَهُمْ يَعُودُ إِلَى النَّارِ)[11].
وفاته:
عطية العوفي كان ينتقل من بلد إلى بلد إلى أن قُتل رضوان الله تعالى عليه بأمر السلطة عام (111هـ).
مجلة بيوت المتقين العدد (38)
[1] اسد الغابة لابن الاثير: ج2، ص272.
[2] شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج2، ص522.
[3] مسند أحمد: ج3، ص26.
[4] كفاية الأثر للخزاز القمي: ص30.
[5] سورة الأحزاب: آية 33.
[6] المعجم الأوسط للطبراني: ج2، ص229.
[7] الفتن للمروزي: ص224.
[8] تهذيب التهذيب، ج7 ص202.
[9] تهذيب التهذيب: ج7، ص202.
[10] البداية والنهاية لابن كثير: ج10، ص52.
[11] بشارة المصطفى محمد بن أبي القاسم الطبري: ص125.