يُعدُّ جامع السلطان عمر علي سيف الدين تحفة معمارية مميزة، ورمزاً إسلامياً مهماً في (بروناي)، وتعني دار السلام أو أرض السلام وهي من دول جنوب شرق آسيا، وعاصمتها (بندر سري بكاوان)، ويبعد المسجد حوالي 3 كم عن وسط المدينة.
سُمي المسجد بهذا الاسم نسبة إلى عمر علي صفي الدين الثالث، سلطان بروناي الـثلاثين الذي بدأ تشييد المسجد في عهده.
مسجد السلطان عمر علي سيف الدين أو ما يُعرف بالمسجد الذهبي شُيّد على بحيرة اصطناعية في بندر سري بكاوان على ضفاف نهر بروناي حيث تحيط به المياه من كل جانب،
وقد تم بناؤه في العام 1958م، ويُعد الأول من حيث الطراز المعماري في منطقة آسيا والمحيط الهندي، والأكثر جذباً للسيّاح، ومعلماً من المعالم المميزة لسلطنة بروناي.
تصميم إسلامي إيطالي:
يتناغم في هذا المسجد فنّا العمارة الإسلامية والعمارة الإيطالية، فقد تم تصمميه بواسطة المعماري الإيطالي جافليير ار نوللي، والذي استعان بتصميم أعده مسبقاً سلطان بروناي آنذاك.
ويتكون المسجد من بناء رخامي كبير، ومجموعة من المآذن، وقبة ذهبية، وحديقة بها نافورة مياه. وتحيط بالمسجد حديقة خضراء تزينها نباتات مزهرة.
الإضاءة الهادئة:
تم تنوير المسجد بشكل فريد ليعطي انعكاسات بديعة وخاصة في الليل مع الماء الذي يحيط به من جوانبه.
فتوهج الإضاءة المنبعثة من داخل المسجد، من خلال قبابه ونوافذه الزجاجية الملونة، يبدد ظلمة الليل، وينعكس على صفحة مياه البحيرة المحيطة، محولة المكان بأكمله إلى لوحة فنية رائعة.
مما يذكر ان هناك جسر يصل عبر البحيرة إلى قرية كامبونج في وسط النهر-(المدينة العائمة) أو (قرية الماء) بحسب ما يطلق عليها أهل بروناي، وهي مزار سياحي رئيس، وفيها بيوت سكان البلاد الأصليين المبنية من الأخشاب والمواد البدائية، على سطح الماء، قبل الطفرة التي صاحبت اكتشاف البترول بكميات هائلة في الجزيرة.
لكن تلك القرية لاتزال عامرة بالسكان الذين لا يزالون يحاولون الاحتفاظ بنمط معيشة آبائهم وأجدادهم، ويرفضون مغادرة البحر، مما اضطر الحكومة إلى إمداد المدينة بشتى الخدمات الحيوية، فأنشأت مدارس، ومراكز الشرطة، ومحطات الإطفاء، والجسور، بشكل أحال عشوائيات الماضي، إلى شبه قرية عصرية.
ثمة جسر آخر من الرخام يؤدي إلى المسجد في البحيرة يُحاكي (الصندل)، وهو قارب مسطح القاع، خاص بالسلطان بلقيّة السادس عشر، وقد اكتمل بناؤه في العام 1967م وأقيم احتفال بالذكرى 1400 لنزول القرآن، وكان يستخدم لاستضافة مسابقات قراءة القرآن.
القبة الذهبية والمئذنة:
وأكثر ما يميز المسجد قبته الرئيسة، المطلية بالذهب الخالص، ويرتفع المسجد 52 متراً من الأرض، ويمكن مشاهدته من أية بقعة تقريباً في بندر سري بكوان. أما المئذنة الرئيسة، فقد صُمّمت بطريقة فريدة من نوعها تمزج ما بين عصر النهضة والطراز المعماري الإيطالي، وفيها مصعد يصل إلى نهايتها حيث يمكن للزائر الاستمتاع بمنظر بانورامي للمدينة.
الفراغ الداخلي للمسجد مخصص للصلاة فقط، ويتسم بنوافذ زجاجية ملونة، وأقواس، وأشباه قباب وأعمدة من الرخام.
الاسلام في بروناي:
بروناي دولة صغيرة لا تَزِيد مساحتها على 5770كم2، وتقع في شمالي جزيرة (بورنيو)، وتحتلُّ شريطها من الساحل الشمالي على شكل قوسين تتداخل بينهما أراضي (ساراواك) من اتحاد ماليزيا، وتبلغ نسبة المسلمين فيها حوالي 76%. وفي بروناي تأسَّست إمارة إسلامية مبكِّرة، فقد سافر حاكمها (أونج ألاك بتاتا) في عام 828هـ إلى (مالاقا) لزيارة السلطان محمد شاه، وهناك اعتنق الإسلام، كما جاء من البلاد العربية دعاة للإسلام أقبل الناس عليهم، وشجَّعهم أميرهم على ذلك، وهكذا قامت إمارة إسلامية في بروناي، واتَّسع نفوذها فشملت جزر صولو والفلبين. وعندما مكَّنت إنجلترا نفوذها في المنطقة اتَّجهت نحو بروناي، واستطاعت تقليص نفوذها، ففي عام (1264هـ= 1848م) عقد سلطان بروناي اتفاقية مع إنجلترا لمقاومة القرصنة وتطوير العلاقات التِّجاريَّة، إلا أن إنجلترا فرضت الحماية عليها عام (1306هـ = 1888م)، واستمرَّت حتى اجتاحت اليابان المنطقة كلها أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم انسحبت منها قبل مرور أربع سنوات.
وقد عُرِضَ على بروناي في عام (1383هـ = 1963م) أن تشترك في اتحاد الولايات الماليزية فرفضت وبقيت دولة منفصلة يحكمها (عمر علي).
وفي سنة 1983م اتفق سلطان بروناي (حسن بلقيا معز الدين) مع البريطانيين على الانسحاب من بروناي على أن تبقى الإدارة المدنية البريطانية.
المصدر: بيوت المتقين (46) شهر شوال 1438هـ