الأخلاق الإسلامية

مما لاشك فيه أن التعاليم الدينية هي خير وسيلة لإبعاد البشرية عن الرذائل، وما يتبعها من مآسٍ وأمراض جسمانية، واجتماعية، وروحية، وإن هذه التعاليم تؤدي إلى السعادة في هذه الدنيا، لما لها من فضل كبير في تنظيم أمور الحياة، وترتيب العلاقات الإنسانية على أسس فطرية، ووفق سنن الله الكونية، التي فطر الناس عليها.

الله عزّ وجلّ هو الأعلم بمصلحة الإنسان:

التعاليم الدينية كلها تأتي عن طريق الرسل وأوصيائهم(عليهم السلام)، الذين أرسلهم الله واختارهم للبشرية ليوصلوا لهم ما أراد خالقهم من تعاليم، فهو سبحانه يعلم أنها في مصلحة الإنسان.

فكل تعليم لا يكون مصدره الخالق عزّ وجلّ، ولا يكون عن طريق الأنبياء، فمصيره إلى الزوال لأنه جاء من عقل محدود.

الأديان السماوية والفضيلة:

إن كل الأديان السماوية نادت بإتباع الفضيلة وترك الرذيلة، وآخر الأديان السماوية هو الدين الإسلامي، حيث حرص عن طريق القران الكريم -وهو كلام الله عزّ وجلّ- ولسان خاتم الأنبياء محمد(صلّى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار(عليهم السلام) على اتباع هذه الفضائل وترك الرذائل، ليعيش حياة سعيدة في الدنيا، ويحصل في الآخرة على الدرجات الرفيعة.

معنى الخُلُق:

هو الصورة الباطنة للإنسان، والتي يمكن أن تظهر للآخرين بأشكال مختلفة، على جوارحه الظاهرة للناس، وهو السجية، والدين، والطبع، وعلم الأخلاق: هو علم يعرف به صلاح القلب وسائر الحواس.

التعريف المميز للأخلاق الإسلامية:

الأخلاق الإسلامية: هي مجموعة الأقوال والأفعال التي يجب أن تقوم على أصول وقواعد الدين الإسلامي، وفضائل وآداب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة والشريعة الإسلامية، من خلال القران الكريم، والسنة النبوية المطهرة على صاحبها آلاف التحية والسلام، والأئمة الأطهار(عليهم السلام).

فالأخلاق الإسلامية ليست جزءاً من الدين، بل هي جوهره وروحه، ففي رواية جاء رجل إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله) من بين يديه فقال: يا رسول الله ما الدين؟ فقال: حسن الخلق. ثم أتاه عن يمينه فقال: ما الدين؟ فقال: حسن الخلق. ثم أتاه من قبل شماله فقال: ما الدين؟ فقال : حسن الخلق. ثم أتاه من ورائه فقال: ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: أما تفقه؟ الدين؟ هو أن لا تغضب. وقيل: يا رسول الله ما الشؤم؟ قال: سوء الخلق)[1].

كفى حُسن الخُلُق فضلا:

وكفى حُسن الخُلُق فضلاً أنه يستميل النفوس، ويورث المحبة، ويزيد في المودة، ويهدي إلى الفعل الحسن، والقول الحميد، قال تعالى في وصف النبي الأكرم محمد(صلّى الله عليه وآله): ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[2]

وروي أن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[3].

وجاء في وصية النبي(صلّى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) أنه قال: (يا علي ثلاثٌ من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلُم عمن جهل عليك)[4].

وفي رواية أن أبا بردة سأل رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قائلا: يا رسول الله، الله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال(صلّى الله عليه وآله): (يا أبا بردة لا يدخل الجنة أحد إلا بحُسن الخُلُق)[5].

وعنه(صلّى الله عليه وآله): (أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحُسن الخُلُق)[6].

وعنه(صلّى الله عليه وآله): (ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضلُ من حُسن الخُلُق)[7].

وعنه(صلّى الله عليه وآله) - وقد سُئل عن أفضل الحسنات عند الله - فقال(صلّى الله عليه وآله): (حسن الخلق والتواضع والصبر على البلية والرضاء بالقضاء، قال: أي سيئة أعظم عند الله؟ قال: سوء الخلق والشح المطاع)[8].

وعنه(صلّى الله عليه وآله): (إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقاً،
 وأشدكم تواضعاً، وان أبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون، وهم المستكبرون)[9].

 وعنه(صلّى الله عليه وآله): (ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون)[10].

وعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنه قال: (إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً)[11].

وعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: (إن حُسن الخُلُق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم)[12].

وعنه(عليه السلام)  قال: (البر وحُسن الخُلُق يعمران الديار، ويزيدان في الاعمار)[13].

علامات حُسن الخُلُق:

من علامات حُسن الخُلُق طَلاقةُ الوجه عند اللقاء، ولطف الكلام، وحسن العشرة، فالواجب على كل ذي عقل وقلب أن يؤدب نفسه بمكارم الأخلاق، فتمام السعادة بالخُلُق الحَسَن.

وأوضح مصاديق حُسن الخُلُق، صاحب الشريعة الغراء رسول الله(صلّى الله عليه وآله)
وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، فلنتعرف من خلال هذه الرواية على من أراد أن يكون شبيهاً لرسول الله(صلّى الله عليه وآله)، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قول النبي(صلّى الله عليه وآله): (ألا أخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحسنكم خلقاً وألينكم كَنَفَاً، وأبرّكم بِقَرابتهِ، وأشدكم حباً لإخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظَمَكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدُّكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب)[14].

ولنمتحن أنفسنا بحُسن الخُلُق، ولنعرضها على الروايات، لنعرف مدى انطباقها عليه، فعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: (ان الله خصّ رسوله(صلّى الله عليه وآله) بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم، فان كانت فيكم فاحمدوا الله، وارغبوا إليه في الزيادة منها، فذكرها عشرة: اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحُسن الخُلُق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروة)[15].

وتؤكد الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة(عليهم السلام) على أن حُسن الخُلُق هو الإيمان، قال الإمام الصادق(عليه السلام): (المؤمن من طاب مكسبه، وحَسُنت خليقته، وصحت سريرته، وأنفقَ الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه، وكفى الناس شرّه، وأنصف الناس من نفسه)[16].

وعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: (قال النبي(صلّى الله عليه وآله): إن خياركم أولو النهى، قيل: يا رسول الله ومن أولو النهى؟ قال: هم أولو الأخلاق الحسنة، والأحلام الرزينة، وصلة الأرحام، والبررة بالأمهات والآباء، والمتعاهدين للفقراء والجيران واليتامى، ويطعمون الطعام ويفشون السلام في العالم ويصلون والناس نيام غافلون)[17].

وأخيراً من أراد سعادة الدارين والفوز بالجنة فليتحلَّ بمكارم الأخلاق، يقول الشاعر:   

و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت            فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ويقول آخر:

و إذا أصيب القوم في أخلاقهم          فأقم عليـــهم مأتما وعـــويلا

ويقول ثالث:

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه          فقوّم النفس بالأخلاق تستقـم

 


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج68، ص393.

[2] سورة القلم: آية4.

[3] مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج10، ص86.

[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج15، ص182.

[5] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج11، ص194.

[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص100.

[7] المصدر السابق: ج2، ص99.

[8] كنز العمال، المتقي الهندي: ج16، ص129.

[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج15، ص378.

[10] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج68، ص396.

[11] المصدر السابق: ج2، ص99.

[12] المصدر السابق: ج2، ص103.

[13] المصدر السابق: ج2، ص100.

[14] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج15، ص193.

[15] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص56.

[16] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج15، ص189.

[17] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج2، ص240.