إذن فقد وصل الأمر في نهاية المطاف بقضيّة فدك إلى نسيان أنّها نحلة وأنّها هبة وهبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) وطُوي سجلّها كما طُوي سجلّ قضيّة الخلافة من قبل.
كانت الزهراء (عليها السلام) تعلم أنّها لن تبقى في هذه الدنيا أكثر من أيّام قلائل، وكانت تحاول في غضون هذه البرهة القصيرة من الزمن أن تقوم بما من شأنه أن يقوّي دعائم الإسلام ويثبّتها أكثر، ومن هنا فقد سعت إلى طرح القضيّة من باب آخر وهو أنّه: (إذا لم توافق على كون فدك هبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا شكّ أنّك تقرّ بأنّها كانت ملكاً للنبيّ أساساً، فذلك ما صرّح به القرآن الكريم ولا يسعك إنكاره، فإن كان الأمر كذلك فإنّني ابنة النبيّ ووريثته، وبناء عليه فإنّه يجب أن تنتقل فدك إلى ملكيّتي (وهنا قد وقع الكثيرون في إشكال فقالوا: لقد التبس علينا الأمر حقّاً! فلم نفهم ماذا كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تدّعي حول فدك هل كانت نِحلَة، أم إرثاً)؟ والجواب على ذلك هو أنّها (عليها السلام) ومن أجل مواجهة هذا النظام الذي لا يصلح للخلافة فقد انتهجت سبيلين، فهي قد طرحت - أوّلاً - مسألة كون فدك نِحلَة لتوضّح للناس أنّ هؤلاء إمّا أنّهم غير عارفين بأحكام الله، الأمر الذي يجعلهم غير صالحين لخلافة رسول الله أساساً، وإمّا أنّهم يخالفون حكم الله متعمّدين، وعندها فمن الأولى أن يثبت عدم أهليّتهم للخلافة، فإذا طُويت صفحة كونها نِحلة فقد سلكت (عليها السلام) سبيلاً آخر للوصل إلى مبتغاها فادّعت كونها تركة يمكن أن تورّث، وأيضا لم يستجب القوم لصوت الحق والحقيقة، (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ)[1]. فاختلق أبو بكر حديثاً مفاده: (أن الأنبياء لا يورثون) واستمر بهم عمى البصيرة، وطبع على قلوبهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[2].( لَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[3].