في وقتِنا الراهن تعدّدتْ مشاكل الشباب والتي منها عزوفُهم عن الزواج حيث أصبح مشكلةً قائمةً وكبيرةً ويترتّب عليها مضارٌّ كثيرة أيضاً، وهم يتشبّثون بأعذار ضعيفةٍ منها: قولهُم إنّ الزواج المبكّر يشغل طالب الدراسة عنها ويعوقُه عن تحقيق أهدافِه وضمانِ مستقبله، ومنها: قولهم إنّ الزواج يحمّل الشابَّ ما لا طاقةَ له به من مسؤوليّة الرعاية والإنفاق على زوجة وأولاد وتلبية متطلباتهم، وهذه الأعذار بعضها مرفوض وبعضها قابل للمناقشة إلا أنه من أقوى الأسباب لنفور الشباب عن الزواج هي المعوقات والعراقيل التي أبتُكرت وابتُدعت في إعاقة مشروع الزواج مِنْ مطالبَ وتكاليفَ باهظةٍ، ممّا يثقلُ كاهلَ الشابّ ويسبّب نفوره منه.
وقد يكون علاجُ المشكلة بتفاصليها بسيطاً وميسوراً فيما لو صدقَتْ النيّة وتساهَلَ أهلُ العروس في طلباتهم, ونظروا الى الزواج كونه مشروعاً تعاونياً ومصداقاً لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا بالنسبة للمشاكل المادية وأما المشاكل المعنوية فإنّ ما في الزواج من مزايا وحسناتٍ وخيراتٍ ترجّح كفّة الميزان في الشروع فيه على ما تقدّم من معوّقات ومشاقٍّ قال (صلى الله عليه وآله) : (مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ أَحْرَزَ ثُلُثَيْ دِينِهِ فليتّقِ الله فيِ الثلثِ الآخَرِ)[1]، وقد حدّث (صلى الله عليه وآله) أصحابه عن آثار ترك هذه السنّة اختياراً رغبةً عنها دون سبب وجيه حيث قال: في حديثه الشريف (أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ الْعُزَّابُ)[2].
إنّ الزواجَ مشروعٌ إيجابي مِنْ وجوهٍ عديدةٍ, شأنُه شأن التكاليف الشرعية التي أُمرنا بها من قبل الله سبحانه على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله): (الزَواجُ سُنَّتي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)[3]، وغير ذلك من الأحاديثِ الكثيرةِ التي تؤكّد رجحانَه وتحفّزنا للمضيّ في هكذا خطوة، كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا نَظَرَ العَبدُ إلى وَجهِ زَوجِهِ ونَظَرَت إليهِ، نَظَرَ الله إليهِمَا نَظَرَ رَحمةٍ، فإذا أَخذَ بِكَفِّهَا وأَخَذَت بِكَفِّهِ، تَسَاقَطَت ذُنُوبُهُما مِن خِلالِ أَصَابِعِهِمَا فإذا تَغشّاها حَفّتْ بِهِما الملائكةُ من الأرْضِ إلى عنانِ السماءِ وكانتْ كل لذّة وكلّ شهوة حسناتٍ كأمثالِ الجبالِ فإذا حملتْ كان لها اجرُ المصلّي الصائمِ القائمِ المجاهدِ في سبيلِ الله فإذا وضعتْ لمْ تعلمْ نفسٌ ما اخفى لهمْ من قرّة أعينٍ)[4].
فدخول عالم التحصين يعتبر غلقاً لِباب من أبواب الشيطان بسلسلة من حديد، ولا نقول أنّ هذا العالم ليس فيه من المشاكل والمشقّة ولكنْ فيه من المصالح والمحاسن ما يرجّح السعْيَ فيه، كالزوجة التي تشارك زوجها مشاكلَه وتخفيف أعباء العمل عنه, والأولاد الذين هم امتداد له، فالزواج عفاف للفرْج وغضٌّ للبصر, فالنبي (صلى الله عليه وآله) خص الشباب بالحثّ والإسراع بالتزوج في سن مبكّر إنْ استطاع إلى ذلك سبيلاً (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المعارج:30، لأنّ الله أغناه بحلاله عن الحرام وكفاه بفضله عمّن سواه, وبالزواج تحصل السكينة والراحة النفسية يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم: 21، وبالتالي ترتّب الحسنات والمنافع عليه.