الأفق الأعلى والأفق المبين

قال تعالى: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)[1]، الآية الكريمة صريحة في أن لسان القرآن الكريم الذي أرسل به النبي العربي(صلى الله عليه وآله) هو لسانٌ عربيٌّ مبينٌ، إلا أنه ثمة حقائق قرآنية وردت في الكتاب العزيز تحتاج إلى بيان أحياناً من ناحية المعنى المفرد، وأحياناً من ناحية التركيب، وهذا ما تكفل به أهل البيت(عليهم السلام)، حيث وضعوا مصابيح النور أمام المفسرين، لبيان المبهم من تلك المعاني والصور القرآنية.

نقرأ في دعاء علقمة فقرة: (وَيا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، وَيا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الأَعْلى وَبِالأَفـُقِ الْمُبينِ) فما معنى ذلك المنظر؟ وما هو الأفق المبين؟

الجواب:

ورد في القرآن الكريم هذا التعبير، قال تعالى: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)[2].

الضميران في (رآه) -الظاهر والمستتر- يعود المستتر منهما على النبي (صلى الله عليه وآله)، والظاهر يعود على جبرئيل (عليه السلام).

وقال بعض: إنّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) قد رأى جبرائيل (عليه السلام) في صورته الحقيقية مرّتين، الأولى عند بداية البعثة النبوية المباركة، حيث ظهر له في الأفق الأعلى، وقد غطى الشرق والغرب حتى بُهر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعظمة هيئته، والثّانية رآه عند معراجه إلى السماوات العُلى، واعتبروا أن الآية إشارة لتلك الرؤيتين.

والظاهر أن المراد بالأفق المبين في الآية، هو نفس الأفق الأعلى، الوارد في سورة النجم: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ)[3].

قال صاحب الميزان: (الأفق المبين وهو الأفق الأعلى من سائر الآفاق بما يناسب عالم الملائكة)[4].

وقال الشيخ الطوسي: (ولقد رآه بالأفق المبين) معناه: إن النبي(صلى الله عليه وآله) رأى جبرائيل(عليه السلام) على صورته التي خلقه الله عليها بالأفق المبين، فالأفق ناحية من السماء، فإنه يقال على ألسنتا في العرف: هو كالنجم في الأفق، وفلان ينظر في أفق السماء.

أما في الدعاء: فالتعبيران وردا باعتبار ما جاء في سورة النجم تارة، وباعتبار ما جاء في سورة التكوير تارة أخرى، والخطاب فيهما متوجه إِلى الله تعالى على نحو الدعاء، وهو كناية عن إحاطة علمه بجميع الممكنات، جليّها وخفيّها، كبيرها وصغيرها، واستيلاؤه على الجميع لأن كونه بالمنظر الأعلى يستلزم ذلك.

وربما يمكن تأييد ذلك بأن الوارد في الدعاء هو قوله: بالأفق وبالمنظر، حيث جاءت التعدية بواسطة الباء، لا بواسطة الفاء، لأن الفاء تفيد الحلول في مكان، من حيث إفادتها الظرفية، أما الباء فلعلها باء الملابسة، التي تعني أن ظهور آيات الألوهية قد جاء ملابساً للأفق المبين، وله نوع ارتباط به.

وقد أشارت الروايات الواردة عن أئمة الهدى(عليهم السلام) معنى الأفق المبين، منها:

ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم، الحي القيوم، وأتوب إليه) كتب في الأفق المبين.

قال: قلت: وما الأفق المبين؟

قال: قاع بين يدي العرش، فيه أنهار تطَّرِد، وفيه من القدحان عدد النجوم) الخصال ج2 ص582

مجلة اليقين العدد (40)

 


[1] النحل: 103.

[2] التكوير: 22.

[3] النجم: 5 - 7.

[4] الميزان:20، ص121.