كيف نثبت الشرائع السابقة

قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)[1].

الآية الكريمة تذكر إحدى صفات المؤمنين وهي الإيمان بما أنزل قبل الإسلام من الديانات السماوية بعد إيمانهم بالإسلام، أما الإيمان بدين الإسلام فقد تم عن طريق معجزته الخالدة وهي القرآن الكريم
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[2].

هذا بالنسبة للدين الإسلامي، أما الأديان والشرائع السابقة فكيف يمكن إثباتها ومن ثم التصديق والإيمان بها، إذ لا معجزة باقية لها كالكتاب العزيز، وما ينقله أتباعها من الخوارق والمعاجز للأنبياء السابقين فهم متّهمون في نقلهم لها أو حكمهم عليها، وليس في الكتب الموجودة بين أيدينا المنسوبة إلى الأَنبياء كالتوراة والإنجيل ما يصلح أن يكون معجزة خالدة تصح أن تكون حجّة قاطعة، ودليلاً مقنعاً في نفسها قبل تصديق الإسلام لها.

إذاً لا حجة لنا لإقناع نفوسنا بصحتها، ولا لإقناع المشكّك المتسائل من هذا الطريق.

إن الإيمان بتلك الشرائع قبل شريعتنا المقدسة لا يحتاج إلى عناء كبير، بل يحتاج إلى التفاتة بسيطة وتركيز قليل، لأن الإيمان بها فرع الإيمان بدين الإسلام، فبما أن المسلمين قد صدقوا وآمنوا بالدين الإسلامي والقرآن الكريم بنحو الجزم واليقين، كان عليهم التصديق بكل ما جاء به وصدّقه، ومن جملة ما جاء به وصدّقه نبوّة جملة من الأَنبياء السابقين على نحو ما مرّ ذكره.

وعليه فالمسلم في غنى عن البحث والفحص عن صحّة الشريعة النصرانية وما قبلها من الشرائع السابقة بعد اعتناقه الإسلام لاَنّ التصديق به تصديق بها، والأيمان به إيمان بالرسل السابقين والأَنبياء المتقدّمين، فلا يجب على المسلم أن يبحث عنها ويفحص عن صدق معجزات أنبيائها؛ لاَنّ المفروض أنّه مسلم قد آمن بها بإيمانه بالإسلام، وكفى.

نعم، لو بحث الشخص عن صحّة الدين الإسلامي فلم تثبت له صحّته، وجب عليه عقلاً - بمقتضى وجوب المعرفة والنظر - أن يبحث عن صحّة دين النصرانية؛ لأنه هو آخر الأديان السابقة على الإسلام، فإن فحص ولم يحصل له اليقين به أيضاً وجب عليه أن ينتقل فيفحص عن آخر الأديان السابقة عليه، وهو دين اليهودية حسب الفرض... وهكذا ينتقل في الفحص حتى يتم له اليقين بصحّة دين من الأديان، أو يرفضها جميعاً.

وعلى العكس فيمن نشأ على اليهودية أو النصرانية؛ فإنّ اليهودي لا يغنيه اعتقاده بدينه عن البحث عن صحّة النصرانية والدين الإسلامي، بل يجب عليه النظر والمعرفة - بمقتضى حكم العقل - وكذلك النصراني، ليس له أن يكتفي بإيمانه بالمسيح عليه السلام، بل يجب أن يبحث ويفحص عن الإسلام وصحّته، ولا يعذر في القناعة بدينه من دون بحث وفحص؛ لأَنّ اليهودية وكذا النصرانية لا تنفي وجود شريعة لاحقة لها ناسخة لأحكامها، ولم يقل موسى ولا المسيح (عليهما السلام) أنه لا نبي بعدي.

فلا يجوز لهؤلاء النصارى واليهود أن يطمئنّوا إلى عقيدتهم، ويركنوا إلى دينهم قبل أن يفحصوا عن صحّة الشريعة اللاحقة لشريعتهم كالشريعة النصرانية بالنسبة إلى اليهود، والشريعة الإسلامية بالنسبة إلى اليهود والنصارى، بل يجب - بحسب فطرة

العقول - أن يفحصوا عن صحة هذه الدعوى اللاحقة، فإن ثبتت لهم صحتها انتقلوا في دينهم إليها، وإلاّ صحّ لهم - في شريعة العقل- حينئذٍ البقاء على دينهم القديم والركون إليه.

أمّا المسلم - كما قلنا - فإنّه إذا اعتقد بالإسلام لا يجب عليه الفحص؛ لا عن الأَديان السابقة على دينه، ولا عن اللاحقة التي تُدَّعى؛ أمّا السابقة فلاَنّ المفروض أنّه مصدِّق بها، فلماذا يطلب الدليل عليها؟ وإنّما فقط قد حكم له بأنّها منسوخة بشريعته الإسلامية، فلا يجب عليه العمل بأحكامها ولا بكتبها.

وأمّا اللاحقة، فلأَنّ نبي الإسلام محمداً (صلى الله عليه وآله) قال: «لا نبيّ بعدي» وهو الصادق الأمين كما هو المفروض (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحيٌ يُوحى)[3] فلماذا يطلب الدليل على صحّة دعوى النبوة المتأخرة إن ادعاها مدع؟.

مجلة اليقين العدد (15)

 


[1] البقرة: 4.

[2] الحاقة: 40-43.

[3] النجم:٣ – 4.