التوكل على الله من أعظم العبادات التي يتقرّب بها العبد إليه عزّ وجل، والتوكل على الله عز وجل هو سِمةُ العبد الصادق، وبه أمر الله الأنبياء والمؤمنين، ويُعدُّ التوكل من الأعمال القلبيّة التي لا تتم باللسان.
وقد ورد الامر بالتوكل على الله في القران الكريم في آيات كثير منها قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً)[1]، وقوله عز من قائل: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)[2]، وقوله تعالى: (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)[3] وتكررت الآية: (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[4]. في سبعة مواضع في كتاب الله، فقد ذُكرت في سورة آل عمران في موضعين، وفي سورة المائدة، والتوبة، وإبراهيم، والمجادلة، والتغابن.
حقيقة التوكل:
(التوكل) في الأصل من (الوكالة) وكما قال الراغب: التوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك.
وعلى ذلك فالتوكل: هو اعتماد العبد على الله سبحانه في استجلاب المصالح، ودفع الضرر من أمور الدنيا والآخرة، وتوكيل جميع أموره إليه، وإيمان العبد إيماناً جازماً بأنَّه لا يُعطي إلا الله، ولا يَمنع إلا الله، ولا يَنفع غيره سبحانه، ولا يَضر سواه، فيجب أن يعلم أن الله هو المؤثر الأصلي، لأن الله تعالى في نظر المؤمن هو منبع لكل القدرات.
يقول علماء الأخلاق: التوكل الثمرة المباشرة لتوحيد أفعال الله، لأنه من وجهة نظر المؤمن يرتبط كل ما في الكون بالنهاية بذات الله المقدسة، ولذلك فالموحّد يرى أن جميع أسباب القدرة والنصر من عند الله.
قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (سألت جبرئيل: ما هو التوكل؟ قال: (العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكل)[5].
وسئل الإمام الرضا (عليه السلام): ما حد التوكل؟ فقال: أن لا تخاف مع الله أحدا[6].
فلسفة التوكل:
نستفيد مما ذكرناه أنه:
أولا: إن الإنسان سوف تزداد مقاومته للمشاكل الصعبة لتوكله على الله الذي هو منبع جميع القدرات والاستطاعات.
فإننا نستفيد من مجموع الآيات الآمرة بالتوكل أن القصد من التوكل أن لا يحسّ الإنسان بالضعف في مقابل المشكلات العظيمة، بل بتوكله على قدرة الله المطلقة يرى نفسه فاتحا ومنتصرا، وبهذا الترتيب فالتوكل عامل من عوامل القوة واستمداد الطاقة وسبب في زيادة المقاومة والثبات. وإذا كان التوكل يعني الجلوس في زاوية ووضع إحدى اليدين على الأخرى، فلا معنى لأن يذكره القرآن بالنسبة للمجاهدين وأمثالهم.
وإذا اعتقد البعض أن التوكل لا ينسجم مع التوجه إلى العلل والأسباب والعوامل الطبيعية، فهو في خطأ كبير، لأن فصل العوامل الطبيعية عن الإرادة الإلهية يعتبر شركا بالله، أو ليست هذه العوامل تسير بأوامر ومشيئة الله؟!!!
نعم إذا اعتقدنا أن العوامل مستقلة عن إرادته فهي لا تتناسب مع روح التوكل. ولكن هل من الصحيح أن نفسّر التوكل بهذا التفسير، مع أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي هو رأس المتوكلين لم يغفل عن استخدام الخطط الصحيحة والاستفادة من الفرص المتاحة وأنواع الوسائل والأسباب الظاهرية لتحقيق أهدافه، إن هذا يثبت أن التوكل ليس له مفهوم سلبي.
ثانيا: إن التوكل ينجي الإنسان من التبعية التي هي أصل الذل والعبودية، ويمنحه الحرية والاعتماد على النفس. وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن الغنا والعز يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا)[7] وقد عرف الإمام التوكل بأنه موطن العزة وعدم الحاجة للآخرين[8].
أقسام التوكل:
1- التوكل على الله في إصلاح النفس دون مقارنتها بأنفس الآخرين.
2- التوكل على الله في إقامة دينه، ونصرته، وهداية الناس، وبيان طريق الحقِّ لهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفع المُحرّمات من إثمٍ أو فاحشةٍ.
3- التوكل على الله في تحقيق الأمور الدنيويّة؛ مثل: الرزق، والزواج، وردّ الظلم.
عوائق التوكل:
1- عدم معرفة مقام الله تعالى وأسمائه وصفاته.
2- إصابة النفس بالغرور والزهو، فتشعر بأنها ليست بحاجة إلى أحد.
3- الاعتماد على الخلق في قضاء الحاجات، والركون إليهم، مما يتنافى مع معنى التوكل على الله الحقيقيّ والصادق.
4- حبُّ الدنيا، والانبهار بها، وهذا يوجِد حاجزاً بين العبد والتوكل على الله تعالى.
ثمار التوكل:
1- تحقيق الإيمان الصادق.
2- الشعور بطمأنينةٍ وسكينةٍ في النفس.
3- تحقيق الله تعالى لغايات العبد، ورغباته، وكفايته في جميع شؤونه جزاءً على حقِّ توكّله.
4- الحصول على المنافع في الدنيا والآخرة، ودفع المضار.
5- قوّة القلب والشجاعة، وتحدي الأعداء والظالمين، وعدم الخوف من البشر.
6- الصبر وتحمّل المصاعب والمصائب، والاطمئنان بأقدار الله عز وجل.
مجلة بيوت المتقين العدد (49)