تعدّ الأرثوذكسية الطائفة الثالثة من الطوائف المسيحية بعد الطائفة الكاثوليكية والبرتستانتية، ومعنى الأرثوذكسية: كلمة يونانية مؤلفة من مقطعين، الأول منها (أرثوذ)، وتعني (الصواب، أو الصحيح، أوالقويم)، والثاني منها (دوكسا) وتعني (الرأي أوالاعتقاد)، وتُستخدم بصفة عامة للإشارة إلى الالتزام بالأعراف المُتّفق عليها، ولاسيما العقيدة الدينية[1].
بداية الانفصال:
قبل عام (451م)، كانت المسيحية متمايزة إلى كنيستين شرقية وغربية، تختلف نظرة كلّ منهما تجاه بعض المسائل العقدية المتعلقة بالمسيح والثالوث وغيرها، ولكن في عام(451م) وقع حدث كبير تسبب في انفصال واستقلال كلّ كنيسة عن الأخرى وإلى الأبد، إنّه انعقاد مجمع (خلقدونية المسكوني).
المجمع المسكوني: بشكل عام هو عبارة عن مؤتمر من الشخصيات الكنسية والخبراء اللاهوتيين، يعقد لمناقشة وتسوية الأمور الخاصة بعقيدة الكنيسة وممارستها، وتقوم هذه الشخصيات التي يجري إحضارها من جميع أنحاء العالم بالتصويت، وهو ما يعني موافقة كامل الكنائس المسيحية على ما تم إقراره، وجرى عقد المجالي المسكونية السبعة الأولى المعترف بها من قِبل كلّ من الفروع الشرقية والغربية للمسيحية الخلقدونية، بدعوات من أباطرة الإمبراطورية الرومانية المسيحية، الذين فرضوا أيضاً بعض القرارات داخل تلك المجالس عبر كنيسة الدولة للإمبراطورية الرومانية.
مجمع خلقدونية: هو مجلس الكنيسة الذي عقد في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) إلى الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 451م، في خلقدون، وهي مدينة إغريقية قديمة في آسيا الوسطى على مضيق البوسفور، وهي منطقة كاديكوي في مدينة إسطنبول حالياً.
هذا المجمع هو المجلس الرابع المسكوني من قبل الكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، ومعظم البروتستانت، وكان أهم إنجاز له هو إصدار (التعريف الخلقدوني)، هذا التعريف يقول إنّ المسيح (معترف به في طبيعتين تأتيان معاً في شخص واحد، وأقنوم واحد)، وكانت أحكام هذا المجلس وتعريفاته بشأن الإلهية نقطة تحوّل هامة في المناقشات المسيحية العلمية، وهناك أقلية من المسيحيين لا يتفقون مع تعاليم هذا المجلس.
إنّ التعريف الرسمي (طبيعتين) في المسيح كان مفهوماً من قبل منتقدي المجلس في ذلك الوقت، ويفهمه العديد من المؤرخين واللاهوتيين اليوم، إلى جانب المسيحيين الغربيين والأنطاكيين وغيرهم ممن لا يعتقد في هذه الطبيعتين الذين يؤمنون أنّ المسيح واحد.
نتيجة لهذه التعريفات، حدث الانشقاق الكبير بين الكنيستين الشرقية والغربية، وتجمّعت كنائس الشرق تحت قيادة كنيسة الإسكندرية، وعرفت بالكنائس الأرثوذكسية، فيما توحّدت كنائس الغرب تحت قيادة الكنيسة الرومانية (الفاتيكان حالياً) وسمّيت بالكنائس الكاثوليكية، وفي القرن الـ (11) انفصلت أيضاً كنائس كلّ من القسطنطينية والكنيسة اليونانية والكنائس اللاتينية، وأصبحت هي أيضاً ضمن الكنائس الأرثوذكسية.
لتوضيح ما حدث في مجمع خلقدون وطبيعة الخلاف الذي نشب، علينا معرفة مصطلحين هامين:
اللاهوت: وهو كلّ ما يتعلّق ويخصّ الذات الإلهية، أي: كلّ ما يرتبط بالإله.
الناسوت: وهي تعني كلّ ما يخصّ الإنسان.
وفكرة إيمان المسيحيين بلاهوت المسيح وناسوته تعني: أنّ المسيح هو إله كامل وإنسان كامل، وأنّ لاهوته لا يفارق ناسوته لحظة واحدة.
الكنائس الشرقية رفضت اصطلاح (طبيعتين)، وهو المصطلح الذي كان يوازي عندهم لفظ (شخصين)، وفضّلت هذه الكنائس وصف المسيح بعبارة أخرى هي (طبيعة واحدة).
التكوين والسلطة:
الكنيسة الأرثوذكسية لا تعترف إلّا بشرعية المجامع المسكونية الثلاثة الأولى (نيقية، وقسطنطينية، وأفسس)، وتتشكل الأرثوذكسية الشرقية من مجموعة من الكنائس المستقلة، وهي دائمة التنسيق فيما بينها، تتكون هذا الكنيسة من الكنائس القبطية والإثيوبية والأرمنية والسريانية والإريترية، وتعتبر الكنيسة الإثيوبية أكبر الكنائس الأرثوذكسية المشرقية، وتأتي في المرتبة الثانية لأكبر الكنائس المسيحية الشرقية، في حين تعتبر الكنيسة الروسية الأرثوذكسية أكبر الكنائس المسيحية الشرقية، وتأتي في مقدمة تلك الكنائس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتي لعب رجالها الدور الأبرز في تحديد الخطوط العريضة لعقيدة هذه الكنائس، وتعدّ كنيسة الأقباط الأرثوذكس ومقرّها مصر، أهم الكنائس القبطية ويتبع لها كلّ من الكنيسة البريطانية الأرثوذكسية والكنيسة الفرنسية الأرثوذكسية، ولكلّ كنيسة من هذه الكنائس رئاستها الخاصّة بها، والتي تتمثل في البطريرك أو رئيس الأساقفة إلى جانب الأساقفة[2].
المصدر: مجلة اليقين العدد (58)