قال تعالى في سورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، اقتضتْ حكمة الله تعالى في خلقه أن تكون طرقُ الباطل كثيرة وطريق الحقّ واحدة، وهذا يجعل أبواب الشيطان نحو الإنسان كثيرة، أخفاها وأشدّها تأثيراً الوساوس النفسية فإنها تكون باعثاً على المعاصي والآثام بالإغراء وتزيين الأعمال السيّئة. فلابدّ أن ينتبه الإنسان وأنْ يتذكّر سوء عاقبة العصيان وخاتمته في الدنيا والآخرة، وأنّ الصبر عما تدعو إليه هذه الوساوس أسهل من الصبر على نار عقوبتها، فإذا أدرك هذه الأحوال وحقيقتها، ضعف عنه الشيطان وجَبُنَ، فيرجع هارباً خائباً. فصدق البراهين بمنزلة رجوم الشياطين، ولا يقنط الإنسان الى اليأس من تبدّل الحال وطهارة النفس مهما طال به الأمد تحت سطوة وسواس الأعمال القبيحة، فقد روي عن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله): «من صلى ركعتين لم تتحدث نفسه فيها بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» إذاّ بالإمكان التخلص من قيود الشيطان بالإصرار والإرادة.
ومن الجدير بالذكر أن الوقوع في المعاصي أمر اختياري للإنسان، كما أن الطاعة أمر اختياري أيضاً وهو مسؤول مباشرة عن أعماله، ودعوى تسلط الشيطان على الإنسان غير صحيحة، كيف والله تعالى يقول: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[1]، إضافة الى أن الله بمنّه وكرمه وسّع ساحة تدارك الأعمال وتصحيحها وتعديلها ففتح باب التوبة وَوَعَدَ بالعفو، وهو أمرٌ فيه دافع قويٌّ للإنسان ليتخلّص من قيود الشيطان، لذا فإن العبد إذا وجد نفسه في مورد الذنب عليه الإسراع بالاستغفار، حتى يضيّق أو يغلق منافذ الشيطان.
كما أنّنا لو رَجعْنا الى القرآن الكريم نجده يؤكّد على عداء الشيطان لبني آدم قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[2]، وماذا يتوقع من العدو أن تكون نواياه تجاه عدوّه!! فهو يزيّن الأعمال السيئة (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)[3].
وفي آيات الكثيرة نهى القرآن الكريم عن اتباع خطوات الشيطان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[4] ومن خطوات الشيطان الوساوس التي تغرّر الإنسان بالمعاصي (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ)[5].
لابدّ من استذكار هذه الأمور القرآنية للتخلّص من وساوس الشيطان قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[6].
وَرُوِيَ عن عبد الله بن سنان أنه قال: (شكا رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) كثرة التمنّي والوسوسة. فقال: «أمرَّ يدك على صدرك، ثم قل: بسم الله وبالله محمد رسول الله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، اللهمّ امسح عنّي ما أحذر، ثم أمرّ يدك على بطنك وقل ـ أي كرّر الدعاء السابق ـ ثلاث مرات، فإنّ الله تعالى يمسح عنك ويصرف»[7].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (25)