من الاعتقادات المقومة لمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية هو الإعتقاد بالإمام الثاني عشر، بعد أن وصل حد القطع بالتواتر في النص عليه من قبيل قوله (صلى الله عليه وآله) للحسين (عليه السلام) «إبني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلِئت ظلما وجورا»[1].
إن الاعتقاد بوجود الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يُعدُّ من عناصر بعث الأمل في نفوس المؤمنين، الذين يعتقدون بوجود قائد حي؛ ولكن حالت بينه وبينهم بعض الظروف الموضوعية، .. وذلك مثل بعض الثورات التي انتصرت في بلاد شتى، وقائدها في السجن أو المنفى؛ فإن مجرد إحساس الشعب بحياته ورعايته ولو من بعيد؛ من موجبات بعث الأمل في النفوس.
وما يهمنا من القضية في هذه الأسطر هو تفعيل هذا الأمل الإيماني ببيان وظيفة المؤمنين تجاه إمام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وكيف نترجم عقيدتنا، في الواقع العملي لإظهار نسبتنا الحقيقية الى إمامنا (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وآبائه (عليهم السلام).
والانتظار يعني: «ترقّب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمد (عليهم السلام)، وامتلائها قسطاً وعدلاً وانتصار الدين القويم على جميع الأديان كما أخبر به الله تعالى نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله) ووعده بذلك، بل بشّر به جميع الأنبياء والأمم؛ أنه يأتي مثل هذا اليوم الذي لا يعبد فيه غير الله تعالى ولا يبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة أحد...». النجم الثاقب: ج2ص 443
ومن أشرف وأولى وظائف المؤمن في زمن الغيبة، رفع المستوى: الفكري، والاعتقادي، لدى المؤمنين، حتى تثبت هذه العقيدة الحقّة أمام الأطراف التي لا تعتقد بها، والطريق الى العقيدة والفكر يبدأ بالالتزام الشرعي بالأحكام الإلهية، التي بينّها العلماء في كتبهم الفتوائية، فالالتزام بالحكم إذا تحقق موضوعه لدى المكلف، يفتح النافذة على ثبات الجانب العقائدي الفكري. كونه حاكٍ عن هوية المؤمن بشكل واقعي.
وهذا يعتبر مساهمة في إيجاد شرائط الظهور والعمل لأجل خروج الإمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
ومن الوظائف المهمة أيضاً في زمن الغيبة، هو الدعاء لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فقد ذكرت الروايات للدعاء فوائد وثمار كثيرة جداً، فقد ورد في التوقيع الشريف المروي في (الاحتجاج) عنه (عليه السلام):«وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم»[2].
وينبغي للمؤمنين أن يصبروا على المصاعب وعلى تكذيب وأذى ولوم أعدائه في زمان غيبته (عجل الله تعالى فرجه الشريف). فقد ورد في (كمال الدين) عن سيّد الشهداء (عليه السلام) أنّه قال: «أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)»[3].
دعوة الأهل والأقربين الى معرفة إمام زمانهم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والأنسب ذكره و زيارته، فقد ورد عن سليمان بن خالد أنّه قال للصادق (عليه السلام): إن لي أهل بيت وهم يسمعون منّي، أفأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال (عليه السلام): «نعم إنّ الله عزوجل يقول في كتابه: (ياأَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ)»[4].
وتُتَمّم هذه المهمة الحركة الإجتماعية للتمهيد للظهور المتمثّلة بدعوة الناس الى دين الله الحق وتربية أنصار الإمام والتبشير بثورته الكبرى، ونلاحظ في حديث الامام السجاد (عليه السلام) وصفه للمنتظر ينفي حديث له (عليه السلام) «تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة بعده، يا أباخالد !.. إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان، لأنّ الله - تعالى ذكره - أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، أولئك المخلصون حقا، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً» وقال (عليه السلام): «انتظار الفرج من أعظم الفرج»[5]، وفي ذلك إشارة بليغة الى ضرورة استمرار تحرك المنتظر للتمهيد، فإذا كانت الأوضاع موائمة دعوا لدين الله جهراً وإلاّ كانت تحركهم سرياً دون أن يسوّغوا لأنفسهم التقاعس عن هذا الواجب التمهيدي تذرّعاً بصعوبة الظروف.
المصدر: مجلة اليقين العدد (7)