شهر الله والتكافل الاجتماعي

إنّ التكافل الاجتماعيّ جزء من عقيدة المسلم والتزامه الدينيّ، فهو من الأخلاق التي تقوم على الحبّ والإيثار ويقظة الضمير ومراقبة الله عزَّ وجلَّ، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادّيّة؛ بل يشمل أيضاً المعنويّة، وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد.

وقد عُني القرآن الكريم بالتكافل بين الناس ليكون نظاماً لتربية روح الفرد، وضميره، وشخصيّته، وسلوكه الاجتماعيّ، وليكون نظاماً لتكوين الأسرة وتنظيمها وتكافلها، وكذلك لتوطيد العلاقات الاجتماعيّة.

قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[1].

التكافل الاجتماعي يُقصد به إلزام المجتمع بكفالة ورعاية أحوال الفقراء والمرضى والمحتاجين والاهتمام بمعيشتهم، من طعام وكساء ومسكن وحاجات اجتماعيّة لا يستغني عنها أيّ إنسان في حياته.

أن التكافل من أروع أنواع عبادة الله، بل ويضاهي العبادات الأخرىٰ، ويفوقها ثواباً، قال الإمام الباقر (عليه السلام): «... لأن أعّول أهل بيت من المسلمين أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم وأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة [وحجّة]، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين»[2].

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة...»[3].

وكان آل البيت (عليهم السلام) يحثون أتباعهم على الإحسان بقدر الاستطاعة؛ انطلاقاً من حرصهم الدائم على توفير الأجواء المعيشية الكريمة، بعيداً عن مبدأ الرّبح والخسارة الذي يشكل حجر الزاوية في الحضارة المادية المعاصرة.

ومن الشواهد ذات الدلالة على تنمية أهل البيت (عليهم السلام) للشعور الاجتماعي تجاه المؤمنين، ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام): «لأن أطعم مؤمناً محتاجاً أحبّ إليّ من أن أزوره، ولأن أزوره أحبّ إليّ من أن أعتق عشر رقاب»[4].

ومن أجلى مصاديق التعاون والتكافل هو ما نراه من المؤمنين في زماننا اليوم ونحن نعيش مع وباء فتاك قاتل، حيث رأينا المؤمنين كيف مدوا يد العون للناس المحتاجين، ولا ننسى بالذكر أصحاب المواكب الحسينية كيف هبوا لتلبية نداءات المرجعية الرشيدة لمساعدة الناس بالغذاء، والدواء وإلى غير ذلك من الاحتياجات الأخرى.

عن حسين بن نعيم الصحّاف قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أتحبّ إخوانك يا حسين؟ قلت: نعم، قال: تنفع فقراءهم؟ قلت: نعم، قال: أما إنه يحقّ عليك أن تحبّ من يحبّ الله، أما والله لا تنفع منهم أحداً حتى تحبه. أتدعوهم إلى منزلك؟ قلت: نعم، ما آكل إلاّ ومعي منهم الرجلان والثلاثة والأقلّ والأكثر، فقال أبو عبد الله: أما إنّ فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: أطعمهم طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم عليّ أعظم؟! قال: نعم، إنّهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك، وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك»[5].

 


[1] سورة البقرة: آية 215.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص195.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص197.

[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص203.

[5] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص201و202.