الزمن كالمال، كلاهما يجب الاقتصاد فيه وتدبيره، وإن كان المال يمكن جمعه وادّخاره لوقت الحاجة بخلاف الزمن، وإنا نعيش في زمن محدود، ليل ونهار يتعاقبان بانتظام، ليس يطغى أحدهما على الآخر، وحياة مقسّمة إلى صبا، فشباب، فكهولة، فشيخوخة، ولكلّ قسم عمل خاص لا يليق أن يعمل في غيره، كالزرع إذا فات أوانه لم يصح أن يزرع في غيره، وحياة محدودة، فإذا جاء الأجل فلا مفرّ من الموت. وما فات من الزمن لا يعود، فالصبا إذا فات لا يرجع أبداً، والشباب إذا مرّ لا يعود أبداً، والزمن المفقود لا يعود أيضاً.
وإذا كان محدوداً ولا يمكن أن يمدّ فيه أو يقصر، وكانت قيمته في حسن إنفاقه، وجب أن نحافظ عليه ونستعمله أحسن استعمال، وليس للانتفاع بالزمن والمحافظة عليه إلّا طريق واحد، هو أن يكون لك غرض في الحياة يتناسب مع الجانب الأخلاقي، بمعنى أنّه لا يتعارض من قيمة أم مبدأ صحيح ومقبول في المجتمع، فتنظّم زمنك للوصول إليه.
هل يضيع الوقت أو الزمن؟
يضيع الوقت بأمرين:
الأول: أَلّا يكون للإنسان غرض منشود يسعى إليه، فالقارئ الذي يقرأ كلّ كتاب يقع في يده من غير أن يكون له غرض معيّن، أو موضوع خاص أو دراسة مسألة خاصّة، فإنّه يضيع وقته، كمَن يمشى في الطريق من غير هدف، فإنّه يسير من شارع لشارع ويتنقل من منطقة إلى منطقة، ولا يجني شيئاً، بل يكون وقته هدراً ضائعاً.
إنّ تحديد الغرض وتعيين ما يريده الإنسان من تصرفاته يوفر له مساحة زمنية كبيرة، ويجعل حركات الإنسان وسلوكه في الحياة على نور وهدى، فكلّما صادفته أمور، أو عرض له موقف فإنّه يتصرّف حسب الغرض الذي في نفسه، وبذلك سوف ينجح في اختيار ما يساعد في تحقيق ذلك الغرض، ويتجنب ما لا يتفق معه.
إنّ الذين لا يضعون لسلوكهم أهدافاً، ويمرّ الزمن عليهم دون حساب أو تنظيم، لا نتوقع أن يصدر عنهم إنجاز كبير، أو يأتون بعمل نافع بالمستوى المطلوب، فالإنسان بلا غرض كالسفينة في البحر بلا مقصد. ويلاحظ أنّ أكثر الناس عملاً أوسعهم زمناً، ذلك أنهم يوجّهون أعمالهم حسب نظام زمني مدروس، ولا يصرفون زمنهم في التردد والاختيار، وهم الذين يخلقون الظروف التي تلائم أعمالهم، ويتصرّفون فيها حسب أغراضهم في الحياة.
الثاني: ربما يكون الإنسان قد حدد غرضاً وهدفاً لسلوكه، لكنّه لم يخلص في عمله لذلك الهدف، فمثلاً لم يكن عمله لذلك الغرض جدياً بدرجة كافية، أو هو قد لا يشتغل بما يتفق معه؛ وهذا أيضاً يسرق منه الوقت، ويضيّع عليه الفرصة في الاستفادة منه، فإنّ عدم الغرض وعدم الإخلاص له شريكان في ضياع الوقت من الإنسان، كما ويضيعان فائدة العمل أيضاً، فإنّ من النتائج الفرعية لعدم الإخلاص تأجيل وقت العمل، وعدم الدقة في مراعاة الوقت، وإنّ تأجيل أو تأخر دقائق عن وقت المباشرة بالعمل يسبب ضياع واستهلاك دقائق ثمينة من وقت العمل، وينتج عن ذلك إمّا الإسراع في العمل، وغياب الدقة فيه؛ ليعوض الزمن الفائت، وإمّا التعدي على أوقات خصصت لواجبات أُخرى، ومن هذا النحو تأجيل العمل إلى وقت غير وقته، فالعمل المؤجل يكون ثقيلاً، ويبعث على الكسل، لكونه في غير وقته.
هل هناك فترات للراحة؟
إن التأكيد على إنجاز كلّ عمل في وقته المناسب، والحثّ على إتمام الفائدة من العامل الزمني، أنّنا ننكر ضرورة وقت الراحة، بل إنّ وجود أوقات الراحة يجعلنا أقدر على العمل، على أن لا تُستثمر تلك الأوقات في ما ينافي العمل، أو ما يسبب التهاون والكسل في أدائه، فإذا قضيناه ـ مثلاً ـ في نوم أو شيء مفيد كالرياضة البدنية، فإنّ ذلك يفيد في العمل، ويخدم الغرض.
الزمن هو المادة الخام للإنسان، كالخشب الخام في يد النجار والحديد في يد الحداد، فكلّ يستطيع أن يصوغ منه حياة طيبة بجده، وحياة سيئة بإهماله، ولأجل أن نجعل لحياتنا قيمة يجب أن نقضي أوقاتنا فيما يتفق وأغراضنا[1].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (59)