لا شك أنّ جملة من الأمور الأخلاقية قد أشار إليها القرآن الكريم والسنّة النبوية، ومن تلك الأخلاق أداء الأمانة، فقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بأنّهم يرعون أماناتهم، ويؤدونها حق الأداء، فقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[1]. بعد ما أمرهم بها سابقاً بقوله: (إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا)[2]. وفي السنّة المباركة ورد الحث عليها أيضاً فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أدِ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تخن مَن خانك»[3].
وعن الصادق (عليه السلام) قال: «أدوا الأمانة ولو إلى قاتل الحسين بن علي (عليهما السلام)»[4]. مما يدل على أنّ الأمانة يجب الوفاء بها سواء للبار والفاجر، وهذا يدل على المنزلة الكبيرة التي وضعها الله تعالى لهذه الصفة الأخلاقية وعظم مكانتها عنده.
وخير مَن جسّد هذه الصفة أفضل تجسيد هو نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)؛ إذ عرف منذ الصغر بهذه الصفة ولقّب بين قومه بـ (الصادق الأمين)، حتى قومه الذين يعادونه لم ينفوا عنه تلك الصفة، فما أعظمك يا رسول الله، فضلاً عن باقي الصفات التي هو الفرد الأكمل في اتصافه بها بين البشر من لدن آدم وحتى آخر مولود يولد على وجه البسيطة.
حاجة الأمة إلى الأمانة:
إنّ الأمة اليوم بأمس الحاجة إلى الأمانة والوفاء بها؛ لأنها تعكس ثقافة الأمة وحضارتها من خلال التزامها، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها، وتلفت الأنظار لها، ويتحير أعداؤها فيها، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها، وتذهب هيبتها بين الأمم، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره، وكم ذلّت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق، فإذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح أمن الناس، وحفظت الحقوق، وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع، وقلت الرذيلة، وزادت الفضيلة، وقويت شوكة الإسلام، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب، والخيانة، والظلم، والغش، فسد المجتمع واختل الأمن، وضاعت الحقوق، وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع، وضعفت الشريعة في نفوس أهلها، وانقلبت الموازين، فـ«سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة»[5].
أنواع الأمانة
إنّ باب الأمانة في الإسلام واسعٌ يدخل فيه الكثير، وأصل الأمانة أمران: الأمانة في حقوق الله تعالى والأمانة في حقوق البشر، وفيما يأتي أهم صور الأمانة في الإسلام:
الأمانة الكبرى: هي الأمانة التي حملها البشر على ظهورهم، أَلا وهي الدّين الإسلاميّ وتتجلّى صور الأمانة في الدّين من خلال التمسّك به والتزام تعاليمه من غير خداعٍ أو نفاقٍ أو كلل ومن خلال نشر هذا الدّين بين البشر كافّة كما الأنبياء، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الحديث الصّحيح المطوّل: «ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء»[6].
أمانة الأعراض: وتكون من خلال العفّة عمّا ليس للمرء حقٌّ فيه، وحفظ اللسان من النيل بشيءٍ منها بسوء كقذف المحصنات وحتّى الغيبة، وأن يحفظ المرء نفسه وعرضه من ارتكاب الفاحشة. أمانة العمل: وهي أن يؤدّي المرء عمله على أكمل وجه، وأن يعمل بما يتقنه ويترك ما لا يتقنه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ الله؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ»[7].
أمانة الأسرار: وتكون الأمانة بكتمانها، وإفصاحها يعدّ من الخيانة، ومن أشدّها وأعظمها على الله هي أسرار البيوت الزّوجيّة، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «إنّ من شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثمّ ينشر سرّها»[8].
أمانة الولد: وهي التي يكلّف بها المرء طالما يصبح له ولد، فتربيته وتنشئته على مكارم الأخلاق أمانةٌ علّقت برقبة والديه.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (61)