عقيدتنا في صفات الإمام وعلمه

ونعتقد: أنّ الاِمام كالنبي يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال، من شجاعة، وكرم، وعفّة، وصدق، وعدل، ومن تدبير، وعقل وحكمة وخلق.

والدليل في النبي هو نفسه الدليل في الامام...

أمّا علمه؛ فهو يتلقّى المعارف والاَحكام الاِلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الاِمام من قبله.

وإذا استجدّ شيء لا بدَّ أن يعلمه من طريق الاِلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإنْ توجّه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطىَ فيه ولا يشتبه، ولا يحتاج في كلّ ذلك إلى البراهين العقلية، ولا إلى تلقينات المعلِّمين[1]، وإن كان علمه قابلاً للزيادة والاشتداد، ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعائه: «رَبِّ زدني علماً»[2].

أقول: لقد ثبت في الاَبحاث النفسيّة أنّ كل انسان له ساعة أو ساعات في حياته قد يعلم فيها ببعض الاَشياء من طريق الحدس الذي هو فرع من الاِلهام؛ بسبب ما أودع الله تعالى فيه من قوّة على ذلك، وهذه القوّة تختلف شدّة وضعفاً، وزيادة ونقيصة في البشر باختلاف أفرادهم، فيطفر ذهن الانسان في تلك الساعة إلى المعرفة من دون أن يحتاج إلى التفكير وترتيب المقدّمات والبراهين أو تلقين المعلّمين، ويجد كل إنسان من نفسه ذلك في فرص كثيرة في حياته.

وإذا كان الاَمر كذلك، فيجوز أن يبلغ الانسان من قوّته الالهامية أعلى الدرجات وأكملها، وهذا أمر قرَّره الفلاسفة المتقدّمون والمتأخرون.

فلذلك نقول - وهو ممكن في حدِّ ذاته - : إنّ قوّة الالهام عند الامام - التي تسمّى بالقوة القدسية - تبلغ الكمال في أعلى درجاته، فيكون في صفاء نفسه القدسية على استعداد لتلقّي المعلومات في كلّ وقت وفي كل حالة، فمتى توجَّه إلى شيء من الاَشياء وأراد معرفته استطاع علمه بتلك القوّة القدسية الالهامية بلا توقّف ولا ترتيب مقدمات ولا تلقين معلِّم، وتنجلي في نفسه المعلومات كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية، لاغطش فيها ولا إبهام.

ويبدو واضحاً هذا الاَمر في تاريخ الاَئمّة عليهم‌السلام كالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله؛ فإنّهم لم يتربَّوا على أحد، ولم يتعلَّموا على يد معلِّم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة، ولم يثبت عن أحدهم انه دخل الكتاتيب، أو تلمذ على يد استاذ في شيء من الاشياء، مع ما لهم من منزلة علمية لا تجارى[3]. وما سُئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه في وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة (لا أدري)[4] ، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمّل أو نحو ذلك[5].

في حين أنّك لا تجد شخصاً مترجماً له من فقهاء الاِسلام ورواته وعلمائه إلاّ ذكرت في ترجمته تربيته وتلمذته على غيره، وأخذه الرواية أو العلم على المعروفين، وتوقّفه في بعض المسائل، أو شكِّه في كثير من المعلومات، كعادة البشر في كلِّ عصر ومصر.

 

[1] لاَنه - بطبيعة الحال - لو احتاج إلى معلّم يلقّنه ويعلّمه لكان ذلك الشخص أعلم منه في تلك المسألة التي علّمه إياها - على أقل التقديرات - فيكون هو إمامه وعليه أن يتّبعه ويلتزم بقوله، وفي نفس الوقت يكون هذا المعلم يحتاج إلى من يعلمه وهكذا، فيلزم التسلسل. ولذلك يفترض في الامام أن يكون أعلم الموجودين في زمانه ولا يحتاج إلى تعليم من أحد منهم.

[2] تضمين قوله تعالى: (وَقُلْ ربِّ زِدْنِي عِلْماً): طه 20: 114.

[3] وقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علّمني ألف باب، وكلّ باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب» الكافي: 1/239، ينابيع المودة 1/75.

وقال عليه‌السلام: «والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، ألا وإنّي مفضيه إلى الخاصة ممّن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق إلاّ صادقاً، وقد عهد إليّ بذلك كله وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو ومآل هذا الاَمر، وما أبقى شيئاً يمر على رأسي إلاّ أفرغه في اذني وأفضى به إليّ» نهج البلاغة: الخطبة 175.

وغيرها من الروايات والاَحاديث الدالة على أنّ علمهم عليهم‌السلام من الله عن طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. 

[4] وقد ورد في الحديث عن هشام بن الحكم، عن الامام الصادق عليه‌السلام أنّه قال: «إنّ الله لا يجعل حجّته في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري» الكافي: 1/177 ذيل الحديث1، التنبيه: 32.

[5] بل اشتهر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كان يقول: «أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فلاَنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الاَرض» نهج البلاغة: الخطبة: 184.