الخوف غير المبرر

يعتقد المربون أن خوفهم على اولادهم يبرر لهم ابعادهم عن كثير مما أحبوا بالقوة والتسلط و(بحكم القوي) الذي لا يقبل نقاش ولا اعتراض معزين ذلك إلى اعتقادهم بمعرفتهم بمصلحة ابناءهم، إنّ سلمنا بصحة زعمهم تبقى عدة امور ومعطيات لا ينبغي لهم اغفالها كي لا يؤدي هذا التضيق إلى آثار سلبية غير متوقعة أو مجهولة لديهم، إذا ما علمنا ان الحرمان يرتبط عكسياَ بالعديد من العادات السيئة وليس من الضروري أن يأتي بنتائج إيجابية.

ليس مبرر أن تحرم طفلك من لعبة كرة القدم أو الخروج إلى اماكن ترفيهية أو ممارسة هواياته التي يحبذها بداعي الخوف عليه من الاقران أو الخوف من ضياع وقته أو غيرها من الأسباب، فدورك كَمُرَبٍّ مساعدته في اختيار اقرانه اللذين تراهم قريبين منه اخلاقياً وسلوكياً وتنظيم وقته، وليس كبت رغباته عنوة فقد يلجأ الى معاقبتك بسلوكيات غير سوية إن سنحت له الفرصة.

وقد ينتظر طفلك اللحظة التي يكون فيها قوياً؛ اعني وصوله على مرحلة المراهقة أو الشباب ليحاول جاهداً تعويض ما فاته فيلقي بنفسه في مهاوي الضياع دونما يعي خطورة افعاله فيصحب في عداد الناشزين، ولا ذنب له في ذلك واولياء امره يتحملون جل المسؤولية جراء قراراتهم غير الرشيدة وغير المدروسة.

إن المنطقية تحتم على ولي الأمر توفير مساحة للأولاد لممارسة السلوكيات التي تبني شخصياتهم، وتجعل منهم أُناس فعّالين ومنتجين في مجتمعهم، وليكون الخوف عليهم داعياً لتوفير بيئة صحية لهم من دون الوقوع بالمحظور أو الخطأ؛ لان النفس البشرية تسعى دائماً إلى التعويض، وأثقل ما يؤذيها حرمانها بلا مبرر أو تعويضها بالبديل.

فمرحلة الطفولة من اكثر مراحل العمر اهمية، وهي الفيصل في تكوين وبناء الانسان وفيها يكتسب الطفل المهارات والأساسيات الضروريّة لإكمال حياته بشكلٍ طبيعي، ومن ثم تحقيق غاياته واهدافه التي رسمها لنفسه في قابل المراحل من حياته، من اجل ذلك يلزم الانتباه إلى خطورة مرحلة الطفولة وعدم حرمان الطفل من اي حق من حقوقه وضرورة التمتع بها من دون نقص، لكن يؤسف أن نرى بمجتمعاتنا العديد من الانتهاكات لحقوق الاطفال أو حرمانه منها مثيلة حرمانه من اتمام تعليمه نتيجة لجهل الاهل، أو عدم اكتراثهم لتعلم الطفل، أو عدم حصول الابوين على التعليم بالشكل الكافي، أو ربما انعدام تعليمهم.

كما أن حرمان الطفل من اللعب الذي يعد من أبرز معالم الطفولة بمبررات واهية كما أسلفنا قد تعرض الطفل نتيجة لذلك الحرمان لمشكلات نفسية كالعزلة أو عدم الاندماج في مجتمعه.

كما اود الاشارة الى سلوكيات يقوم بها الآباء تمثل حرمان من نوع آخر لأطفالهم فزجهم في النزاعات العائلية أو المجتمعية التي تحصل في المحيط، أو اجبارهم للدخول في معترك العمل هذه الظاهرة التي باتت منتشرة بصورة فضيعة في الآونة الاخيرة والتي تعرض الطفل المغلوب على امره إلى متاعب جسدية ونفسية.

كل هذه السلوكيات تعد انتهاكاً واضحاً لحقوق الطفل وحرماناً له من استنشاق عبير الطفولة، وعيش حياته كطفل لا كمسؤول عن عمل أو بيت مما ينعكس سلباً على نوعية تفكيره واهتماماته والتي تنعكس بدورها على سلوكياته اليومية.

ختاماً: لا تمنعوا الرغبات، بل اجعلوها في قوالبها الصحيحة التي تبني الانسان بناءً سليماً، ولا تحاولوا تطبيق الافكار الصحراوية الغير منطقية بداعي الحفاظ على النشيء لخطورة الحرمان وسلبية نتائجه. فالمنع اجعل محله المناعة.

نعم، ضرورة التَّمييز بين المبادئ والوسائل ومراعاة الزّمان والمكان التي تنسجم كامل الانسجام مع طبيعة الشَّريعة الإسلاميَّة وخاتميَّتها ووسطيتها، وهي تستفاد بصراحة ووضوح من كلام أمير المؤمنين: «لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنَّهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانكم»[1]. فإنَّ مصطلح الآداب في كلامه (عليه السلام) يُرَاد به ما يدخل في إطار العادات والتّقاليد المتحركة والمتغيّرة ولا يُرَاد به ما يرادف الأخلاق.

 


[1] شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: ج20، ص268.