المأثور عند المذاهب الإسلامية يعني المنقول، والتفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن، وبما نقل عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من السنة، وبما ورد من الآثار عن الصحابة والتابعين، ومن الطبيعي يعتمد هذا التفسير على صحيح المنقول من الآثار، وليس فيه رأي من غير دليل نقلي بنقل صحيح.
أما التفسير بالمأثور عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فيعتمد على ما أثر عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) أو الصحابة والتابعين، ونشأ هذا المنهج التفسيري بعد رحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ومن أوائل من أسس لهذا المنهج عبد اللّه بن عباس، وهو القائل: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب (عليه السلام)[1].
وقد بدأ هذا المنهج من القرن الأوّل واستمر إلى زماننا هذا، فبعض المفسرين يكتفون في التفسير بالأثر المنقول ولا يتجاوزون إلى غيره، وبعضهم يبتعد عن ذكر الآية التي لا يجد حولها قولاً مأثوراً عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، كالسيد البحراني في تفسير البرهان.
وقد ذكر الشيخ جعفر سبحاني أشهر التفاسير الحديثية عند الفرق الإسلامية.
فأشهر المصنّفات على هذا النمط عند أهل السنّة هي:
1. تفسيـر أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 ـ 310 هـ) وهو من أوسع كتب التفاسير التي ألفت في التفسير بالمأثور، ومنهج هذا التفسير أن يذكر الروايات المسندة أو الموقوفة على الصحابة والتابعين، وقد سهّل بذلك طريق التحقيق والتثبيت منها، لكنه لا يخلو من الإسرائيليّات والمسيحيّات ما لا يحصى.
2. تفسير «الكشف والبيان» للثعلبي (المتوفّى 427 هـ) وهو تفسير مخطوط، ونسخه قليلة، عسى أن يقيّض اللّه رجال التحقيق لإخراجه إلى عالم النور، ومؤلّفه من المعترفين بفضائل أهل البيت: فقد روى نزول كثير من الآيات في حقّ العترة الطاهرة، وينقل عنه كثيراً السيد البحراني في كتبه مثل غاية المرام وتفسير البرهان.
3. تفسير الدر المنثور للسيوطي (المتوفّى 911 هـ) ففيه ما ذكره الطبري في تفسيره وغيره ويبدو من كتابه «الإتقان» أنّه جعله مقدّمة لذلك التفسير، وقد ذكر في خاتمة «الإتقان» نبذة من التفسير بالمأثور المرفوع إلى النبي صمن أوّل الفاتحة إلى سورة الناس.
هذه أشهر التفاسير الحديثية عند أهل السنّة، اكتفينا بذلك روماً للاختصار.
وأمّا مؤلفات الشيعة في هذا المجال، فأشهرها ما يلي:
1. تفسير العياشي المعاصر للكليني الذي توفّي عام 329 هـ، وقد طبع في جزأين، غير أنّ ناسخ الكتاب في القرون السابقة، جنى على الكتاب جناية علمية لا تغتفر حيث أسقط الأسانيد، وأتى بالمتون، وبذلك سدّ على المحقّقين باب التحقيق.
2. تفسير علي بن إبراهيم القمي (الذي كان حياً عام 307 هـ)، وتفسيره هذا مطبوع قديماً وحديثاً، غير أنّ التفسير ليس لعلي بن ابراهيم القمي وحده، وإنّما هو تفسير ممزوج من تفسيرين، فهو ملفّق مما أملاه علي بن إبراهيم على تلميذه أبي الفضل العباس، وما رواه تلميذه بسنده الخاص، عن أبي الجارود عن الإمام الباقر ع، وقد أوضحنا حاله في أبحاثنا الرجالية
3. وقد أُلّف في أواخر القرن الحادي عشر تفسيران بالمنهج المذكور، أعني بهما:
«البرهان في تفسير القرآن» للسيد هاشم البحراني (المتوفّى 1107 هـ).
و«نور الثقلين» للشيخ عبد علي الحويزي من علماء القرن الحادي عشر.
والاستفادة من التفسير بالمأثور يتوقّف على تحقيق اسناد الروايات، لكثرة تطرق الإسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات المروية من مسلمة أهل الكتاب إليها أو مستسلمتهم.
ونقل الشيخ الشيرازي كلمة عن ابن خلدون وصفها بالقيمة يقول فيها: إنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنّما غلبت عليهم البداوة والأُميّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شيء ممّا تتوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونّات، وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنّما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدون منهم، وهؤلاء مثل: كعب الأحبار ووهب بن منبه، وعبد اللّه بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم وتُلقّيت بالقبول، وتساهل المفسرون في مثل ذلك، وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات، وأصلها كلها ـ كما قلنا ـ من التوراة أو مما كانوا يفترون
ولأجل ذلك ترى أنّ ما أتى به الطبري في تفسيره حول قصة آدم وحواء تطابق ما جاء في التوراة.
والعجب أنّ كتب التفسير مملوءة من أقاويل هؤلاء (أي مسلمة أهل الكتاب) ومن أخذ عنهم، من المسلمين أمثال عكرمة ومجاهد وعطاء والضحاك.
فهؤلاء مضافاً إلى ما ورد فيهم من الجرح والطعن في كتب الرجال المعتبرة عند أهل السنّة، كانوا يأخذون ما أثر عنهم من التفاسير من اليهود والنصارى.
وأمّا ما يتراءى من نقل أقوالهم في تفاسير الشيعة كـ «التبيان» لشيخ الطائفة الطوسي، و «مجمع البيان» للشيخ الطبرسي، فعذرهم في نقل أقوالهم هو رواجها في تلك العصور والأزمنة بحيث كان الجهل بها نقصاً في التفسير وسبباً لعدم الاعتناء به.
وعلى كل تقدير فالتفسير بالمأثور يتوقف على توفر شرائط الحجية فيه، إلاّ إذا كان الخبر ناظراً إلى بيان كيفية الاستفادة من الآية، ومرشداً إلى القرائن الموجودة فيها، فعندئذ تلاحظ كيفية الاستفادة، فعلى فرض صحة الاستنتاج يؤخذ بالنتيجة وإن كان الخبر غير واجد للشرائط. كما عرفت نماذج منه.
وأمّا إذا كان التفسير مبنياً على التعبّد فلا يؤخذ به إلاّ عند توفر الشرائط.
هذه هي المناهج التفسيرية على وجه الاختصار قد عرفت المقبول والمردود، غير أنّ المنهج الكامل عبارة عن المنهج الذي يعتمد على المناهج الصحيحة، فيعتمد في تفسير القرآن على العقل القطعي الذي هو كالقرينة، كما يفسر القرآن بعضه ببعض ويرفع إبهام الآية بأُختها، ويستفيد من الأثر الصحيح الذي يكون حجّة بينه وبين ربّه، إلى غير ذلك من المناهج التي مر بيانها[2].
ولكن مهما تكون الضوابط والشروط متوفرة في هذا المنهج التفسيري، إلا أنه يبقى قاصراً عن بيان بعض المفاهيم القرآنية التي يتعلق بيانها بالجانب اللغوي والبلاغي أو الفقه والأصول لعدم وفرة روايات بخصوصها.