روي أن أروى بنت الحارث دخلت على معاوية بن أبي سفيان وهي عجوز كبيرة، فلما رآها قال: مرحباً بك يا عمّه.
قالت: كيف أنت يا بن أخي، لقد كفرت بعدي بالنعمة، أسأت لابن عمك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقك بغير بلاء كان منك، ولا من آبائك في الإسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) فأتعسَ الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود حتى رد الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله) هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون، فكنّا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً، حتى قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله)، شريفاً عنده مرضيّاً، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى، ولم يجمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنا شمل ولم يسهل لنا وعر وغايتنا الجنة وغايتكم النار.
قال عمرو بن العاص: أيتها العجوز الضالة، أقصري من قولك، وغضي من طرفك.
قالت: ومن أنت لا أم لك؟
قال: أنا عمرو بن العاص.
قالت: يا بن اللخناء النابغة، أتكلّمني أربع على ظلعك، واعن بشأن نفسك، فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادّعاك ستة من قريش، كلّ يزعم أنه أبوك ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد فاجر، فأتم بهم فإنك بهم أشبه.
فقال مروان بن الحكم: أيتها العجوز الضالة، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك، فلا يجوز شهادتك.
قالت: يا بني، أتتكلم فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وإنك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصرقامته وظاهر دمامته، ولقد رأيت الحكم مادّ القامة، ظاهر الأمة سبط الشعر، وما بينكما قرابة إلاّ كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب، فاسأل أمك عما ذكرت لك فإنها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت.
ثم التفتت إلى معاوية فقالت: والله ماعرّضني لهؤلاء غيرك وإن أمك للقائلة في يوم اُحد في قتل حمزة (عليه السلام): فشكر وحشي علي عمري ... حتى تغيب أعظمي في قبري.
فقال معاوية لمروان وعمرو: ويلكما أنتما عرّضتماني لها وأسمعتماني ما أكره، ثم قال لها: ياعمة اقصدي قصد حاجتك ودعي عنك أساطير النساء.
قالت: تأمر لي بألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار.
قال: ما تصنعين ياعمة بألفي دينار؟
قالت: أشتري بها عينا خرخارة في أرض خوارة تكون لولد الحارث بن المطلب.
قال: نِعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بالثانية؟
قالت: أزوج بها فتيان عبدالمطلب من أكفائهم.
قال: نِعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بالثالثة؟
قالت: أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام.
قال: نِعم الموضع وضعتها، وهي لك كرامة منّا، ثم قال: أما والله لوكان علي (عليه السلام) ما أمر لك بها.
قالت: صدقت إن علياً أدّى الأمانة، وعمل بأمر الله، وأنت ضيعت أمانتك، وخنت الله في ماله، فأعطيته من لا يستحقه، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها، فلم تأخذ بها، وقد دعانا علي (عليه السلام)
إلى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا، فشُغِل بحربك عن وضع الأمور مواضعها، وما سألتك من مالك حتى تَمُنّ به.
فأمر معاوية لها بستة آلاف، وقال: يا عمة أنفقي هذه فيما تُحبين، فإن طرأت لك حاجة فاكتبي إلى ابن أخيك يحسن صفدك ومعونتك إن شاء الله.
فكانت رحمها الله صاحبة فصاحة وبلاغة، تحتج بالأدلة والبراهين على ولاية وخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)
بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في كل محفل ومجمع مظهرةً مظلوميّته(عليه السلام).
المصدر: مجلة اليقين، العدد (7)، الصفحة (8 - 9).