مكانة المسجد الأقصى من الناحية الدينية
المسجد الأقصى موجود في أرض القداسة والبركة، هذه الأرض لا تذكر في كتاب الله إلا مقرونة بوصف البركة أو القداسة، قال تعالى عن المسجد الأقصى: «إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله»[1] ، وقال تعالى على لسان موسى (عليه السلام): «يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة...»[2] .
ومن بركات هذا المسجد مضاعفة الأجر للمصلي فيه، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة..)[3].
ومما يدل على كثرة بركاته أن بركته تفيض على ما حوله، ولا تقتصر عليه فقط، حسبما تشير الآية: «باركنا حوله»
ولقد كان المسجد الأقصى قبلة المسلمين لمدة 14 عاما تقريبا منذ بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وحتى الشهر السادس أو السابع عشر للهجرة، فقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدها هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم توجه إلى الكعبة.
والأقصى هو مسرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ورد في الآية الكريمة باسمه الصريح: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله»، فالأقصى هو مبدأ معراج النبي محمد(صلى الله عليه وآله) إلى السماء، وقد كان الله تعالى قادرا على أن يبدأ رحلة المعراج برسوله من المسجد الحرام بمكة، ولكنه سبحانه اختار الأقصى لذلك ليثبت مكانته في قلوب المسلمين، كبوابة الأرض إلى السماء.
ما هو المسجد الأقصى؟
الأقصى هو كل الساحة المسورة:
عندما نقول (المسجد الأقصى المبارك) تختلط الأمور في أذهان المسلمين، فمنهم من يعتبر أن الأقصى هو ذلك البناء ذي القبة الذهبية، والبعض الآخر يظن أن الأقصى المبارك هو ذلك البناء ذي القبة الرمادية السوداء، ولكن مفهوم الأقصى المبارك الحقيقي أوسع من هذا وذاك، فان المسجد الأقصى هو كل الساحة المسوّرة، وما القبة الذهبية على الصخرة والجامع القِبْلي إلا جزء من المسجد الأقصى.
موقع المسجد الأقصى:
يقع المسجد الأقصى المبارك على تلّة في الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة (البلدة القديمة) والتي تقع في شرقي القدس في الضفة الغربية، والمسجد الأقصى له سور أيضاً وهو على شكل مضلع غير منتظم مساحته حوالي (144 كم متر مربع).
أهم المعالم في المسجد الأقصى:
يضم المسجد الأقصى جملة من الأماكن المقدسة:
منها: قبّة الصخرة المشرّفة، (ذات القبة الذهبية) والموجودة في موقع القلب بالنسبة للمسجد الأقصى (ويستخدم الآن كمصلى للنساء يوم الجمعة).
ومنها: المسجد القِبْلِي (المسجد الجنوبي أو مبنى المسجد الأقصى)، ذي القبة الرمادية السوداء، والواقع أقصى جنوب المسجد الأقصى، ناحية (القِبلة).
فضلاً عن نحو 200 معلم آخر، ما بين مساجد، ومبانٍ، وقباب، وسبل مياه، ومصاطب، وأروقة، ومدارس، وأشجار، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وأبواب، وآبار، ومكتبات وساحات، ومكاتب لدائرة الأوقاف، ودور القرآن والحديث، وغرف لأئمة المسجدين الكبيرين، وحراس المسجد الأقصى، ومخفر الشرطة.
من الجدير بالذكر أنه لم يطرأ أي تغيير على حجم مساحة المسجد الأقصى عبر فترات التاريخ الإسلامي المتعاقبة وحتى يومنا هذا وقد حفظ الله تعالى حدود هذا المسجد فلم يتعداه أحد من الناس إلى أن قام الأيوبيون والمماليك بترسيخ الحدود وأكملوا سور المسجد الأقصى كما نراه اليوم.
من بنى المسجد الأقصى؟ ومتى بني؟
يقال إن آدم (عليه السلام) أول من خط حدود المسجد الأقصى، وقد ورد في بعض الروايات أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض، فعن أبي ذر قلت: يا رسول الله ! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، قال: ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد)[4].
كما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام، تتابعت على الأقصى المبارك، فقد عمّره ورمّمه سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، ثم تولى المهمة أبناؤه إسحاق ويعقوب (عليهما السلام) من بعده، كما جدد النبي سليمان (عليه السلام) بناءه وتذكر بعض الروايات أن داود بدأ بناءه وأكمله سليمان (عليه السلام).
لذلك الكثير من معالم المسجد الأقصى المبارك، خاصة الجدار والأبواب موغلة في القدم، أما المعالم الحالية للمسجد الأقصى مثل المسجد القِبْلِي وقبة الصخرة وغيرها فهي من بناء المسلمين بعد الفتح الإسلامي.
الجامع القِبْلِي ذو القبة الرمادية:
بعد الفتح الإسلامي للقدس عام 636م، (الموافق 15 للهجرة)، بُني مسجد في صدر المسجد الأقصى المبارك في موضع يعتقد أنه نفس الموضع الذي يقوم عليه الآن الجامع القِبْلِي(المصلى الرئيسي حالياً في المسجد الأقصى المبارك)، وامتاز بناؤه آنذاك بالبساطة المتناهية، وعلى ما يبدو أن هذا المسجد لم يصمد طويلاً أمام تقلبات العوامل الطبيعية المؤثرة وذلك لبساطة إنشائه.
وفي عهد الأمويين، بُنيت قبة الصخرة، وأعيد بناء الجامع القِبْلِي، واستغرق هذا كله قرابة 30 عاما من 66 - 96 هجرية.
وفي العهود اللاحقة، اعتنى المسلمون بإعمار المسجد الأقصى المبارك، وترميمه، والبناء فيه حتى اكتمل بشكله الحالي.
ما هو مسجد قبة الصخرة؟ ولماذا يظهر كثيراً في الإعلام؟
مسجد قبة الصخرة يمثل جزء من المسجد الأقصى المبارك، وتقع في موضع القلب منه تقريبا، أقامها الحاكم الأموي عبد الملك بن مروان بين عامي 66-86 هـ / 685-705م على شكل قبة ذهبية عظيمة فوق أعلى صخرة في المسجد الأقصى المبارك، وتقوم على مبنى مثمن الشكل.
تحت هذه القبة تقع صخرة طبيعية غير منتظمة الشكل، وتتميز بأنها كانت قبلة أنبياء بني إسرائيل وقبلة المسلمين حتى تم تغيير القبلة إلى مكة المكرمة، ويقال أنها الموضع الذي عرج منه الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى السماء.
يظهر المسجد كثيراً في الإعلام لأن منظر القبة الذهبي مميز ويلفت الانتباه فكأنه رمز للمسجد الأقصى، ولكن المشكلة أن الكثير من المسلمين اعتقد أن هذا المبنى هو فقط المسجد الأقصى وهذا خطأ كما بينا .
فالمسجد الذي هو موضع الصلاة، ليس هو قبة الصخرة، لكن لانتشار صورة القبة، يظن كثير من المسلمين حين يرونها أنها المسجد، والواقع ليس كذلك، وقديما كان اسم المسجد الأقصى يطلق على الساحة كلها واكتفاء المسلمين بصورة القبة، قد يكون راجعا لحسن عمارة هذه القبة وجمال هيئتها، وهذا لا يعفيهم من الخطأ الذي نشأ عنه عدم التمييز بين المسجد وما حوله وقد يكون هذا من مكر اليهود وكيدهم، لتعظيمهم الصخرة وتوجههم إليها، وقد يكون إظهار الصخرة ليتم لهم مرادهم بإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وذلك ليظن المسلمون بأن المسجد الأقصى هو قبة الصخرة، فإذا قام اليهود بهدم المسجد الأقصى وأنكر عليها المسلمون قالوا لهم ها هو المسجد الأقصى على حاله، فيُظهرون صورة قبة الصخرة، فيكونون بذلك قد حققوا أهدافهم، وسلموا من انتقاد المسلمين.
المصدر: بيوت المتقين (27) شهر ربيع الأول 1437هـ