قال الإمام علي (عليه السلام) : (يا رُشيد، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أُميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ فقلت : يا أمير المؤمنين آخر ذلك الجنّة؟... فقال: يا رشيد، أنت معي في الدنيا والآخرة[1].
اسمه وكنيته ونسبه: أبو عبد الله، رُشيد بن عقبة الهَجَري.
والهَجَري نسبةً إلى « هَجَر » منطقة في البحرين، و هجر أحيانا تطلق على قرية من قرى البحرين، وأحيانا تطلق على مدينة من مدنها، وأحيانا تطلق على اقليم البحرين كله، ولا تعارض في هذه الأقوال الثلاثة، إذ من المحتمل صواب كل الأقوال بملاحظة احتمال التطور التاريخي لهذه المنطقة، فمن المحتمل أن تكون هجر في بداية عهدها مجرد قرية من قرى البحرين الكثيرة، ثم تطورت مع مرور الأيام لتصبح مدينة بل أعظم مدن البحرين، ثم شيئا وشيئا أصبحت تطلق على إقليم البحرين كله .
ولادته:
لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ومكانها، إلّا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري، ومن المحتمل أنّه ولد في الكوفة باعتباره كوفي.
صحبته:
کان(رضي الله عنه) من أصحاب الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام زين العابدين(عليهم السلام)، وعدّه الشيخ المفيد (قدس سره) من المجمعين على خلافة الإمام علي(عليه السلام) وإمامته بعد قتـــل عثمان[2].
عنده علم المنايا والبلايا:
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسميه رشيد المبتلى، وكان قد ألقى (عليه السلام) إليه علم البلايا والمنايا، فكان يلقى الرجل فيقول له : يا فلان بن فلان تموت ميتة كذا، وأنت يا فلان تقتل قتلة كذا، فيكون الامر كما قاله رُشيد (رحمه الله)[3].
وعن فضيل بن الزبير، قال: مرّ ميثم التمّار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحدّثا حتّى اختلف أعناق فرسيهما.
ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حُبّ أهل بيت نبيّه(عليهم السلام)، يُبقر بطنه على الخشب.
فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلاً أحمر له صفيدتان، يخرج لينصر ابن بنت نبيّه فيُقتل، ويُجال برأسه في الكوفة. ثمّ افترقا، فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذبُ من هذين.
قال: فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رُشيد الهجري فطلبهما، فسأل أهل المجلس عنهما، فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا.
فقال رُشيد: رحم الله ميثماً ونسي: ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم، ثمّ أدبر، فقال القوم: هذا والله أكذبهم.
فقال القوم: والله ما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على دار عمرو بن حُريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر قد قُتل مع الحسين (عليه السلام)، ورأينا كلّ ما قالوا[4].
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ (أي الإمام موسى بن جعفر) ((عليهما السلام)) يَنْعَى إِلَى رَجُلٍ نَفْسَه، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وإِنَّه لَيَعْلَمُ مَتَى يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْ شِيعَتِه فَالْتَفَتَ إِلَيَّ شِبْه الْمُغْضَبِ فَقَالَ: (يَا إِسْحَاقُ قَدْ كَانَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ يَعْلَمُ عِلْمَ الْمَنَايَا والْبَلَايَا، والإِمَامُ أَوْلَى بِعِلْمِ ذَلِكَ...)[5].
إخبار الإمام علي (عليه السلام) بقتله:
عن فضيل بن الزبير، قال: خرج أمير المؤمنين(عليه السلام) يوماً إلى بستان البرني، ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة ثمّ أمر بنخلة، فلُقطت فأنزل منها رطب فوضع بين أيديهم، قالوا: فقال رشيد الهجري: يا أمير المؤمنين، ما أطيب هذا الرطب، فقال: يا رُشيد، أما أنّك تصلب على جذعها، فقال رُشيد: فكنتُ أختلف إليها طرفي النهار أسقيها، ومضى أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: فجئتها يوماً وقد قطع سعفها، قلتُ: اقترب أجلي، ثمّ جئت يوماً فجاء العريف فقال: أجب الأمير، فأتيته فلمّا دخلت القصر إذا الخشب ملقى، فإذا فيه الزرنوق[6] فجئت حتّى ضربت الزرنوق برجلي، ثمّ قلت: لك غُذّيتُ ولي أنبتِّ، ثمّ أُدخلت على عبيد الله بن زياد، فقال: هات من كذب صاحبك، فقلت: والله ما أنا بكذّاب ولا هو، ولقد أخبرني أنّك تقطع يدي ورجلي ولساني، قال: إذاً والله نكذّبه، اقطعوا يده ورجله وأخرجوه، فلمّا حمل إلى أهله أقبل يحدّث الناس بالعظائم، وهو يقول: أيّها الناس سلوني فإنّ للقوم عندي طلبة لم يقضوها، فدخل رجل على ابن زياد فقال له: ما صنعت قطعت يده ورجله وهو يحدّث الناس بالعظائم؟ قال: ردّوه - وقد انتهى إلى بابه - فردّوه فأمر بقطع يديه ورجليه ولسانه وأمر بصلبه[7].
شهادته:
استُشهد (رضي الله عنه) في الكوفة، ودُفن فيها.
كيفية شهادته:
عن أبي حسان العجلي، عن قَنْواء بنت رُشيد الهجري قال: قلت لها: أخبريني بما سمعتِ من أبيك، قالت: سمعت من أبي يقول: قال: حدّثني أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا رُشيد، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعيُّ بني أُميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك الجنّة؟
قال: بلى يا رُشيد، أنت معي في الدنيا والآخرة، قالت: فوالله ما ذهبت الأيّام حتّى أرسل إليه الدعيُ عبيد الله بن زياد، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) فأبى أن يتبرّأ منه، فقال له الدعي: فبأيّ ميتة قال لك تموت؟
قال: أخبرني خليلي أنّك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرء منه، فتقدّمني فتقطع يديّ ورجليّ ولساني، فقال: والله لأكذبنّ قوله فيك، قدّموه فاقطعوا يديه ورجليه واتركوا لسانه، فحملت طوائفه لمّا قطعت يداه ورجلاه، فقلت له: يا أبه، كيف تجد ألماً لما أصابك؟
فقال: لا يا بنية إلّا كالزحام بين الناس، فلمّا حملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله، فقال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى أن تقوم الساعة، فإنّ للقوم بقية لم يأخذوها منّي بعد، فأتوه بصحيفة فكتب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. وذهب لعين فأخبره أنّه يكتب للناس ما يكون إلى أن تقوم الساعة، فأرسل إليه الحجّام حتّى قطع لسانه فمات رحمه الله تعالى[8].
مجلة بيوت المتقين العدد (30)