الفصل الثالث: مظلومية الزهراء على لسان علماء العامة

نصر بن مزاحم (ت 212هـ):

قال: روي عن محمد بن عبيد الله الجرجاني، قال: فبقي أصحاب علي يوماً وليلة - يوم الفرات - بلا ماء، وقال رجل... إلى أن قال: قال عمرو: خلِّ بينهم وبين الماء، فإن علياً لم يكن ليظمأ وأنت ريّان، وفي يده أعنّة الخيل، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت، وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق، ومعه أهل العراق وأهل الحجاز، وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول: لو استمكنت من أربعين رجلاً فذكر أمراً، يعني: لو أن معي أربعين رجلاً يوم فتش البيت[1]، يعني: بيت فاطمة[2].

البلاذري (ت 224 هـ):

روى في أنساب الأشراف بسنده: أن أبا بكر أرسل على عليٍ يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يابن الخطاب، أتراك محرّقاً عليّ بابي؟!، قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك [3].

إبراهيم بن سيار النظام (ت 231هـ):

قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح عمر: احرقوا دارها بمن فيها، وما كان بالدار غير عليٍ وفاطمة والحسن والحسين[4].

ابن أبي شيبة (ت 235هـ):

قال: جاء في حديث عن زيد بن أسلم، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر، قال: حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيشاورونها، ويرتجعون في أمرهم، فلّما بلغ ذلك عمر بن الخطاب، خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما أحد أحبُّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت[5].

البخاري (ت 256هـ):

قال: أبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت...[6].

وفي نظرية الإمامة للدكتور أحمد محمود صبحي وهو مدرس الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية[7]: قال في التعليقة: يقال: مات صغيراً، ويقال: إن عمر ركل فاطمة لمجافاتها أبا بكر في الخلافة وفدك، فأجهضت محسناً جنيناً.

والمراد بقوله (مات صغيراً) أي المُحسن (عليه السلام).

وقال في كتاب الخمس: إن فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)  سألت أبا بكر... أن يقسم لها ميراثها... فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، والحديث عن عائشة.[8]

وفي باب غزوة خيبر قال: فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلّمه حتى توفيت. والحديث عن عائشة[9].

وفي كتاب الفرائض قال بخاري: ...  فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت .... والحديث عن عايشة أيضاً.[10]

ابن قتيبة (ت276هـ):

قال في كتاب المعارف: إن مُحسناً فسد من زخم قنفذ العدوي[11].

وقال في كتاب الإمامة والسياسة: إن أبا بكر تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي-كرم الله وجهه-، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرّقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة، قال: وإن.[12]

وروى في بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام): إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت لأبي بكر وعمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم، سمعناها من رسول الله(صلى الله عليه وآله)  قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني، وما ارضيتماني، ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه وآله) لأشكونكما إليه[13].

محمد بن عيسى الترمذي في سننه (ت 279هـ):

روى: إن فاطمة قالت لأبي بكر وعمر: والله لا أكلمكما أبداً، فماتت ولا تكلّمهما[14].

عبد ربه الأندلسي (ت 328هـ):

قال: وأما علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة، حتى بعث إليهم أبو بكر ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبَوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت: يابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟!، قال: نعم، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة[15].

المؤرخ المسعودي (ت 346هـ):

قال: ...فأقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب، حتى أسقطت مُحسناً، وأخذوه بالبيعة فامتنع، وقال: لا أفعل، فقالوا: نقتلك، فقال: إن تقتلوني، فإني عبد الله وأخو رسوله[16].

وقال في مروج الذهب: أحضر الحطب (أي عمر)، ليحرّق عليهم  الدار، وفي النهج عن عروة بن الزبير، إنه كان يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب، وجمعه لحطب ليحرقهم، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبد الله بن الزبير: بأن عمر أحضر الحطب ليحرق الدار على من تخلف عن البيعة لأبي بكر[17].

وقال أيضا: ومرض أبو بكر قبل وفاته بخمسة عشر يوماً، ولما احتضر قال: ما آسى على شيء إلاّ على ثلاث فعلتها، وددت أني تركتها...، فوددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة، وذكر كلاماً كثيراً[18].

وعلّق بعض المحققين على كلامه: من أن عدم ذكر المسعودي لكلام أبي بكر الكثير، مما يؤاخذ عليه.

ابن أبي دارم (ت 352هـ):

قال: إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن[19].

أبو الحسن الملطي (ت 377هـ):

في كتابه (التنبيه والرد) قال: ... إن أبا بكر مرّ بفاطمة (عليها السلام) فرفس في بطنها، فأسقطت، وكان سبب علتها ووفاتها... وأنه غصبها فدكاً.[20]

مقاتل بن عطية (ت 505هـ):

قال: إن أبا بكر بعد أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب والسيف والقوّة، أرسل عمر وقنفذاً وجماعة إلى دار علي وفاطمة (عليها السلام)، وجمع عمر الحطب على دار فاطمة، وأحرق الدار.

ولما جاءت فاطمة خلف الباب، لتردَّ عمر وأصحابه عصر عمر فاطمة خلف الباب، حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها، وسقطت مريضة حتى ماتت (عليها السلام)[21].

الزمخشري (ت 538هـ):

روى أن فاطمة صلوات الله عليها قالت[22]:

قد كان بعدك أنــباء وهنبــثة         لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها        فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب

قال ابن منظور[23]:  الهنابث: الدواهي، واحدها هنبثة...  وفي الحديث: إن فاطمة قالت بعد موت أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم ذكر الأبيات.

ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 هـ):

نقل عن شيخه إذ يقول لما ألقت زينب ما في بطنها، أهدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) دم هبّار، لأنه روّع زينب فألقت ما في بطنها فكان لا بد أنه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء، وإسقاط ما في بطنها لحكم بإهدار دم من فعل ذلك...[24].

الحمويني (ت 730هـ):

جاء في فرائد السمطين بإسناده حديثاً عن ابن عباس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم، إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلما رآه بكى، ثم قال: إليّ إليّ يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عليه السلام) فلما رآه بكى، ثم قال: إليّ إليّ يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة (عليها السلام)، فلما رآها بكى، ثم قال: إليّ إليّ يا بنية فاطمة، فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فلما رآه بكى ثم قال: إليّ إليّ يا أخي، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحداً من هؤلاء إلاّ بكيت، أو ما فيهم من شرّ برؤيته؟، فقال(صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلائق على الله عز وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم، أما علي بن أبي طالب... -ذكر فضله وما خصه الله به- ثم قال: وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني وهي... إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): وإني لماّ رأيتها، ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها قد دخل الذُل بيتها، وانتُهكت حرمتها، وغُصِب حقها، ومُنِعت إرثها، وكُسِر جنبها، وأُسقطت جنينها... إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها وذلل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين[25].

المؤرخ أبو الفداء (ت 732هـ):

نقل في كتابه (المختصر في أخبار البشر) الخبر المتقدم والذي جاء فيه: وإن أبوا فقاتلهم ... إلى أن قال: فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار.

وقال: ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي  (عليه السلام) ومن معه، ليخرجهم من بيت فاطمة (عليها السلام)، وقال: إنْ أبَوا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة (عليها السلام) وقالت: إلى أين يا بن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟!، قال: نعم، أو تدخلون فيما دخلت فيه الأمة، فخرج عليٌ حتى أتى أبا بكر فبايعه.[26]

الشيخ سعيد بن محمد الكازروني (ت 758هـ):

وفي كتاب مطالع الأنوار المصطفوية في شرح مشارق الأنوار النبوية للصغاني الحنفي المتوفى سنة 650هـ، جاء عند ذكره رواة الكتاب على ترتيب حروف المعجم، فقال في حرف الفاء: فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان من حقها أن تذكر في أوّل الأسامي، لكن ترتيب الكتاب اقتضى هذا التنسيق... إلى أن قال: وولدت لعلي الحسن والحسين والمحسن، وقيل: سقط المحسن من بطنها ميتاً بسبب أن عمر بن الخطاب دقّ الباب على بطنها حين جاء لعلي أن يروح به إلى عند أبي بكر لأخذ البيعة.

صلاح الدين الصفدي الشافعي (ت 764هـ):

قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها[27].

جمال الدين يوسف المقدسي (ت 909هـ):

في كتاب الشجرة النبوية في نسب خير البرية قال: والصحيح أن فاطمة أسقطت جنيناً[28].

المؤرخ الفارسي الشهير بسبهر:

جاء في نواسخ التواريخ، قال: ذكر أن المحسن الذي سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات سقطاً، لأن قنفذاً، والمغيرة بن شعبة مع غيرهما ضربوا الزهراء، فأسقطوا جنينها.[29]

محمد بن محمد رفيع ملك الكتاب:

وهو من علماء أواخر القرن الثالث عشر في كتاب رياض الأنساب، قال: وولد آخر معدود في أولاده، كانت الزهراء (عليها السلام) حاملاً به، فأسقطته قبل استكمال مدة الحمل، لأن قنفداً ضربها وزخمها خلف الباب.[30]

وقد أشرنا إلى أن بعض هذه الروايات موهومة للتغطية على الفاعل فقد نسبت الجريمة إلى الصغار كقنفذ وغيره من المجهولين، وقد ينسب إلى غير الفاعل تشويشا على العامة، وعلى كل حال فإنهم يثبتون الحادثة ولا يمكنهم أن ينفوها عمن هو في السلطة أو قريب منها آنذاك وذلك أضعف الإيمان.

وفي هذه النصوص من علماء العامة كفاية لذي لب وعقل مسلم آمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، فأنى له إنكار ظلامتها، وما ذكرناه جانب من ظلامتها، ناهيك عن غصب حقها من إرث ونحلة وفدك، وأحاديثهم وتواريخهم فيها.

 

وبعد هذا لا يسعنا إلاّ أن نقول:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله المظلومين

ولعنة الله على من أسس أساس الظلم والجور على آل محمد.

 


[1] فتش البيت: أي عند هجوم عمر والجماعة على حرق دار فاطمة (عليها السلام).

[2] كتاب وقعة صفين ﺍﺑﻦ ﻣﺰﺍﺣﻢ ﺍﻟﻤﻨﻘﺮﻱ: ص181- 182.

[3] أنساب الأشراف البلاذري: ج1، ص586.

[4] الملل والنحل الشهرستاني: ج1، ص59، والوافي بالوفيات ج6 ص17.

[5] المصنف لابن أبي شيبة، باب (التهديد)، وهو من مشايخ البخاري: ج7، ص572.

[6] صحيح بخاري: ج5، ص139.

[7] نظرية الإمامة أحمد محمود صبحي: ص226.

[8] صحيح البخاري: ج4، ص79.

[9] المصدر السابق: ج5، ص139.

[10] البخاري ج8، ص149.

[11] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب: ج3، ص133، نقلاً عن كتاب المعارف لابن قتيبة، وفي كتاب المعارف المطبوع حالياً قد حذف منه هذا النص!.

[12] الإمامة والسياسة ابن قتيبة الدينوري: ج1، ص13.

[13] الإمامة والسياسة ابن قتيبة الدينوري: ص14.

[14] سنن الترمذي أبواب السير ما جاء في تركة الرسول9: ج7، ص111.

[15] العقد الفريد عبد ربه الأندلسي: ج5، ص13.

[16] إثبات الوصية المسعودي: ص123.

[17] مروج الذهب المسعودي: ج3، ص86، وشرح النهج لابن أبي الحديد: ج20، ص147.

[18] المصدر السابق: ج2، ص308.

[19] ميزان الاعتدال شمس الدين الذهبي: ج1، ص139.

[20] كتاب التنبيه والرد 11-أبو الحسن الملطي: ص25-26.

[21] الخلافة والإمامة: ص505.

[22] الفائق محمود بن عمر الزمخشري: ج4، ص116، وكذا عن ابن الأثير في النهاية: ج8، ص277، والزبيدي في تاج العروس: ج3 ص654.

[23] لسان العرب ابن منظور الأنصاري: ج3، ص20.

[24] شرح النهج لابن أبي الحديد: ج14، ص192.

[25] فرائد السمطين إبراهيم الجويني: ج2، ص34 -35.

[26] المختصر في أخبار البشر أبو الفداء: ج1، ص156.

[27] الوافي بالوفيات 17- صلاح الدين الصفدي: ج5، ص247.

[28] الشجرة النبوية في نسب خير البرية 18- جمال الدين يوسف المقدسي: ص60.

[29] نواسخ التواريخ سبهر في الجزء المختص بالزهراء (عليها السلام): ص60.

[30] رياض الأنساب محمد بن محمد رفيع: ص78.