يقول بعض المخالفين إن الشيعة تعتقد بأنّ الإمامة واجبة لأنّ الإمام نائب عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حفظ الشرع الإسلامي وتسيير المسلمين على طريقه القويم وفي حفظ وحراسة الأحكام عن الزيادة والنقصان، ويقولون: إنّه لابدّ من إمام منصوب من الله تعالى.
الجواب:
إن صاحب هذه الشبهة تصوّر أنّ أئمّة الشيعة كانوا على مدى زمان إمامتهم يضعون يداً على يد ولا يحرّكون ساكناً، ولا يقومون بأيّ عمل، وما داموا لم يكونوا على رأس السلطة فإنّه لم يكن لهم أيّ تأثير على المجتمع الإسلامي في الهداية والتربية ومنع الظالمين عن ظلمهم.
والحقيقة غير ذلك تماماً، لأنّ الأئمّة (عليهم السلام) كان لهم تأثيرٌ كبير في المجتمع الإسلامي عن طريق انتهاجهم طرقاً مختلفة استطاعوا من خلالها هداية المجتمع والتأثير فيه، وأهم تلك الطرق:
أولا: الجامعة الإسلاميّة التي تأسّست في المدينة على يد الإمام الباقر وولده الإمام الصادق c حيث تجاوز عدد طلاّبها الـ4000 طالب تخرّجوا كلّهم فقهاء ومحدّثون استفاد منهم العالم الإسلامي قاطبةً، يقول الحسن بن علي الوشاء: «رأيت في مسجد الكوفة تسعمائة محدث كلّهم يقول: حدّثني جعفر بن محمّد» (رجال النجاشي، ترجمة الحسن بن علي الوشاء).
فبالرغم من عدم وجود أئمّة الشيعة على سدّة الحكم وامتلاكهم للقدرة إلاّ أنّهم استطاعوا حفظ الأُمّة من الانحراف عن طريق التربية والتعليم.
وثانيا: مقاومتهم للظلم والجور، فبالرغم من انعزالهم الظاهري عن الساحة السياسية، إلاّ أنّهم سلكوا منهجاً جعل المسلمين ينتبهون إلى عدم لياقة الحكّام الأُمويّين والعبّاسيّين للخلافة، حتّى أصبحت قلوب أُولئك الحكّام تمتلئ خوفاً وربّما أمسكوا عن بعض الجرائم التي كانوا ينوون الإقدام عليها. هذا ولو كان الأئمّة (عليهم السلام) قد وضعوا يداً على يد أو جعلوا أيديهم في أيدي الحكّام لما تعرّضوا للقتل والاغتيال سواء بالسيف أم بالسمّ.
وثالثا: لنتجاوز ذلك لنقول: على الرغم من أنّه لا حقّ لنا بفتح أفواهنا أمام الخدمات التي قدّمها أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، إلاّ أنّنا نودّ التذكير أنّ الإمامة هي لطّف من الله تعالى على المجتمع، وبإمكانها أن تترك أثراً فيه في كلّ مرحلة من مراحله، ولو أنّ الأثر المساعد لم يتحقّق ولم يتمكّنوا من الحكم السياسي، فهذا بسبب تقصير الناس، وليس القصور من الأمر الإلهي أو للإمام.
وحجة الشيعة في تنصيب الإمام هو منطق القرآن الكريم فقد بعث الله أنبياءه ورسله لأهداف سامية صرح بها بقوله:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ...﴾ (سورة الحديد:25)، فنحن نسأل جامع الأسئلة هل تحقّقت هذه الغاية الّتي لأجلها بعث الله أنبياءه ورسله، أو أنّها لم تتحقق بعد بشكل كامل؟!
إنّما يجب على الله من باب اللطف هو تهيئة الظروف للهداية وبلوغهم للسعادة، وهنا تختلف الأحوال فمن صلحت سريرته ينهل من هذا الماء المعين، وأمّا من خبثت فيحرم منه، ويعد العدّة على خلافه.
المصدر: مجلة اليقين، العدد (10)، الصفحة (10).