عن حميد بن مسلم: (فَلا يَزالُ الرَّجُلُ مِن أصحابِ الحُسَينِ(عليه السلام) قَد قُتِلَ، فَإِذا قُتِلَ مِنهُمُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ تَبَيَّنَ فيهِم، وأُولئِكَ كَثيرٌ لا يَتَبَيَّنُ فيهِم ما يُقتَلُ مِنهُم. قالَ: فَلَمّا رَأى ذلِكَ أبو ثُمامَةَ عَمرُو بنُ عَبدِ اللّه ِ الصّائِدِيُّ قالَ لِلحُسَينِ (عليه السلام): يا أبا عَبدِ الله، نَفسي لَكَ الفِداءُ، إنّي أرى هؤُلاءِ قَدِ اقتَرَبوا مِنكَ، ولا وَالله، لا تُقتَلُ حَتّى اُقتَلَ دونَكَ إن شاءَ الله، وأُحِبُّ أن ألقى رَبّي وقَد صَلَّيتُ هذِهِ الصَّلاةَ الَّتي دَنا وَقتُها، قالَ: فَرَفَعَ الحُسَينُ(عليه السلام) رَأسَهُ، ثُمَّ قالَ: ذَكَرتَ الصَّلاةَ، جَعَلَكَ الله مِنَ المُصَلّينَ الذّاكِرينَ! نَعَم، هذا أوَّلُ وَقتِها، ثُمَّ قالَ: سَلوهُم أن يَكُفُّوا عَنّا حَتّى نُصَلِّيَ. فَقالَ لَهُمُ الحُصَينُ بنُ تَميمٍ: إنَّها لا تُقبَلُ! فَقالَ لَهُ حَبيبُ بنُ مُظاهِرٍ: لا تُقبَلُ؟ زَعَمتَ الصَّلاةَ مِن آلِ رَسولِ الله(صلى الله عليه وآله) لا تُقبَلُ، وتُقبَلُ مِنكَ يا حِمارُ؟
وقَتَلَ أبو ثُمامَةَ الصّائِدِيُّ ابنَ عَمٍّ لَهُ كانَ عَدُوّا لَهُ، ثُمَّ صَلُّوا الظُّهرَ، صَلّى بِهِمُ الحُسَينُ(عليه السلام) صَلاةَ الخَوفِ، ثُمَّ اقتَتَلوا بَعدَ الظُّهرِ، فَاشتَدَّ قِتالُهُم. مقتل الحسين(عليه السلام))[1].
ذكر بعضهم سؤالاً عن سبب الإصرار على الصلاة جماعة حتى في حال الحرب، فكان الأولى أن يصلّي المسلمون فرادى، حتى تكون مواجهة العدو بأكثر عدد، مستغلّين سعة وقت الصلاة.
وهو سؤال يبدو من الوهلة الأولى عفوياً لا يحتاج إلى تفكير ونظر لينشأ في الذهن، لكنه من ناحية الموضوع يحتاج إلى معرفة المبادئ التي يتبعها الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه في هذا اليوم الخالد.
إن هذه الصلاة تمثّل ثبات المسلمين على عقيدتهم، وحرصهم على ممارسة شعائرهم الدينية.
كما أنها تمثل مظهراً للالتزام بالقيادة المُثلى، والاقتداء بها، مما يحقق وحدة الهدف، ثم وحدة الموقف، وانتهاءً بوحدة المصير.
ومن باب آخر، فإن هذا المظهر العبادي الوحدوي التنظيمي الجماعي، يولّد لدى الأعداء الشعور بعدم الإنصاف في هذه الحرب، والخطأ في اتخاذ موقفهم منها ومن شخصياتها، كيف وهم يؤْثرون صلاتَهم على سلامتهم، وقدوتُهم فيها ابن بنت النبي(صلى الله عليه وآله).
كل هذه الأجواء الإسلامية البيضاء ربّما تغير قناعات العدو كما حدث مع الحر بن يزيد الرياحي (رضي الله عنه)، فهم أمام ثُلّة مؤمنة يقولون ربُّنا الله، فهل يستحقّون أن يواجهوا بالحرب وبالحرمان وبالقطيعة، وبمختلف ألوان الإرهاب والتنكيل؟
إذاً هذه الصلاة التي تسمى في الفقه صلاة الخوف، هي شعار، وموقف، وبلاغ، ودعوة، وتصميم، ووحدة، وخلوص، والتفاف حول القيادة، وتربية، وتعليم، وتحدٍّ، وربما من الصعب أن تجد شيء تفعله تلك الفئة أبلغ منها في مواجهة العدو، بل في مواجهة التأريخ الإسلامي الذي سيكون مسؤولاً عن كل لحظة مرّت على أهل البيت(عليهم السلام) وأنصارهم في ذلك الوقت، لتعرفَ الأجيال أن هؤلاء الأنصار مع قائدهم قد بلغوا الغاية من إصرارهم على مواقفهم، وتمسكهم بمبادئهم، وفنائهم فيها، وأنهم يرون قضيتهم قضية ربّانية مقدّسة وهي من هذه الجهة أهم من كل شيء، وأن حياتهم، وكل شيء يملكونه مسخّر من أجلها، وهم يُقدِمون على البذل والعطاء في سبيله، بكل رضاً ومحبّة، وصفاء وسخاء.
ومن جهة ثانية: إن إقامة الصلاة في ذلك اليوم الدامي يؤكد للإنسان المسلم مدى أهمية الصلاة، حتى إنها لا تترك بحال، حتى للمقاتل الذي يواجه الأخطار الكبرى على حياته ووجوده..
وهناك ثمرة أخرى حيث لهذه الصلاة ـ حال الخوف ـ في ربط الإنسان بمصدر الأمن والسلام، والطمأنينة للقلوب، (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[2]، فهي طريق للتخلص مما يربط العبد بهذه الدنيا، والتحول والانطلاق في رحاب الله تعالى، وآفاق ملكوته، ومعاينة آلائه، وتلمّسها، والتصديق بها.
ولشبابنا الأعزاء أن يفهموا من كل هذا أهمية الصلاة، فهي تتجاوز الحركات الظاهرية إلى معاني أبعد وأوسع تتعلق بالثبات على العقيدة، والتعبير الواقعي عن الوقوف في وجوه الظالمين، وإبراز القوة المستمر التي تختزنها الشخصية المسلمة، ليتبني بها حياة عاجلةـ وتأسس لحياة أخرى آجلة، لذا عُدّت الصلاة وجه الدين وأساس قبول الأعمال.
مجلة ولاء الشباب العدد (41)