في عام 1985م قررت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة إضافة جامع ديفريجي الكبير الواقع في وسط مدينة الأناضول التركي، إلى قائمة التراث العالمي، لما يحويه من قيمة فنية نادرة قلما وجدت في أثر آخر.
تاريخ بناء المسجد:
يعد جامع ديفريجي رمزاً من رموز العمارة في الأناضول القديمة، حيث بني عام 1228 للميلاد، في عهد الأمراء (المنكوجيكيون)، بأمر من احمد شاه بن سليمان شاه بوجود الأسرة الحاكمة (مينغوجقلي).
واشتركت في بنائه أيادٍ مبدعة، منهم: حوريم شاه بن موجيس الحيلاتي، وفنان الأشغال الخشبية احمد بن إبراهيم، والخطاط محمد الخطاط، والنقاش أحمد بن محمد، فقد ابدع هؤلاء الفنانون بالنحت والنقش، ورسموا هذه الأعجوبة تحت إشراف المعماري (مغيث اوغلو اهلاتلي هرم شاه)، الذي بدأ بتصميم المسجد من خلال حساب مواقع الشمس والنجوم في السماء، والتي استغرقت معه حولين كاملين ليخرج بنتيجة دقيقة، حيث قام أولاً بتحديد موقع بناء المسجد، ليبدأ بناءه بالتدريج، فبدأت الأيادي البارعة في النحت والنقش والتخطيط بتكوين أشكال وزخارف ثلاثية الأبعاد، بطريقة لا توصف من شدة إتقانها ودقتها.
ويتهيأ للمشاهد عند التمعن بطريقة النحت وروعة الصورة، كأنها ملتينة أو ما يسميه البعض معجون سلس، يسهل تشكيله وتزيينه بين اليدين.
ما يميز المسجد:
ومن أكثر العناصر اللافتة في هذا المسجد، والتي خلقت له شهرة عالمية، واعتبرت من عجائب العمارة الإسلامية، هي عملية انعكاسات الضوء والظل على جدران المسجد الخارجية، والتي تخلق أشكالا واضحة في أوقات محددة طوال اليوم.
ففي الصباح الباكر، وبالتحديد في الساعة السابعة، يمكن رؤية ظل امرأة تصلي على أحد أبواب المسجد المسمى باب الجنة، وفي الساعة التاسعة صباحاً، يمكن رؤية ظل لرجل يعتقد أنه أحمد شاه الذي أمر ببناء المسجد، على باب الشاه، وقبل صلاة العصر بـ45 دقيقة يمكن رؤية ظل رجل يصلي على باب التاج، وهو ما جعل البعض يطلق على المسجد اسم (جامع الظل).
مشفى المسجد:
والجدير بالذكر أن المعماري هلاتلي هرم شاه، أَصرَّ على بناء مستشفى تابع للمسجد من الجهة الجنوبية وملاصقاً له دون استخدام الطين أو مادة توضع بين الأحجار لتثبيتها، وبذلك سُمّي دار الشفاء.
مكان الوضوء:
لم يتوقف الإبداع عند هذا الحد فحسب، فحينما لاحظ أحد العاملين عدم وجود مكان للوضوء قريب من موضع بناء المسجد، اخذ هلاتلي شاه قراراً ببناء حمام على بعد 100م من المسجد وسمي باسم العامل (بكير تشافوش).
هذا ما دفع المفكر المعماري هلاتلي بأن يستفيد من الحمام في تدفئة المسجد ودار الشفاء، وذلك بإنشاء نظام يجري فيه البخار الناتج عن تسخين الماء في الحمام، عبر شبكة تمر أسفل المسجد ودار الشفاء بحيث تعمل على تدفئتهما، وهذا ما يسمى شبكة تدفئة مركزية، والتي ثبت أنها من الأقدم في العالم، فعمرها 785 عاماً، ورغم أنها لا تعمل حالياً، لكن آثارها لا تزال باقية.
ويعتبر هذا المسجد، خير دليل على مستوى العلم والمعرفة عند المسلمين في ذلك الزمان، واهتمامهم بالعلم والدين والفن.
وتقول منظمة اليونسكو عبر الصفحة المخصصة للجامع على موقعها بالإنترنت: إن المسجد يمتلك قاعة للصلاة فريدة من نوعها تعلوها قبتان ومستشفى مجاور للمسجد، أما تقنية بناء القبب فهي متطورة جداً، وأما النحت التزييني الخلاق والفني الذي يميز الأبواب الثلاثة بشكل خاص، ويتناقض مع صرامة السور فيضفيان طابعاً بالغ التميز على هذه التحفة الهندسية الإسلامية.
المصدر: بيوت المتقين (60) شهر جمادى الأولى 1440هـ