ما معنى الحديث الوارد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ...)[1].
بيان دلالة الحديث: لا بدّ من التطرّق لمقدمة وجيزة لبيان ما هو المراد من الفطرة التي وردت في الحديث آنفاً، وذكر سبب ورود هذا الحديث.
الفطرة: أصل الفطرة الشق، ثمّ أُطلِق على الابتداء والاختراع، والفطرة: هيئة الخَلْق وحاله، والمراد بها في الحديث ما فَطَر الله عليه الخلقَ من معرفته والإقرار به[2].
سبب ورود الحديث:
ذكر ابن حنبل في مسنده: أنّ سبب ورود هذا الحديث هو أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بعث سريةً، فأفضى بهم القتل إلى الذرِّية، فقال لهم: (ما حَمَلكم على قتْل الذرِّية؟)، قالوا: يا رسول الله، أليسوا أولاد المشركين؟ قال: (أوَليس خياركم أولاد المشركين؟)، ثمّ قام النبيُّ ’ خطيباً، فقال (صلى الله عليه وآله): (أَلا إِنَّ كُلَّ مَوْلودٍ يُوْلَدُ عَلَى الفِطْرةِ، حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ)[3].
وبعد هذه المقدّمة نبيّن دلالة الحديث فنقول: لا شك أنّ الله تعالى خلق الخلق على المعرفة، فقد قال تعالى: (فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)[4]، ولقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله)[5].
وأنّ كلّ واحد من البشر لو تُرك لشأنه وما يؤديه إليه نظره؛ لأداه إلى الدّين الحقّ وهو التوحيد، إذ عقّبه بقوله: فأبواه يهودانه أو ينصرانه[6].
ومن خلال ما تقدّم يتبيّن أنّ المولود يولد كصحيفة بيضاء مجبول بفطرته على معرفة خالقه وتوحيده، ولكن من خلال التربية التي يتلقّاها من أبويه -سواء كانا يهوديين أم نصرانيين أم غير ذلك- تُلوَّث تلك الفطرة، وينحرف ذلك المولود عن فطرته.
مجلة اليقين العدد (52)