خلال الحياة الشريفة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) أنتقل إلى ملكه مجموعة من الأراضي لسبب أو لآخر، وكان من ضمن هذه الأراضي فدك المبحوث عنها، ونحن هنا نعرض للقاريء العزيز فهرسة لمجموع ما تملّكه النبي (صلى الله عليه وآله) في حياته الشريفة وسبب هذا التملك، ليكون على بصيرة من كم وكيف الأراضي التي أمتلكها (صلى الله عليه وآله) في حياته، فنقول:
1- أموال مخيريق: كان مخيريق أيسر بني قينقاع، وكان من أحبار اليهود وعلمائها بالتوراة[1]، وكانت أموآله حوائط سبعة وهي: الأعواف والصافية والدلال والميثب وبرقة وحسنى، ومشربة أم إبراهيم[2] التي كانت تسكنها مارية جارية النبي(صلى الله عليه وآله)، وعندما هاجر رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة ونزل قبا في أول الأمر، أتى إليه مخيريق وأسلم[3].
وفي يوم أُحُد خاطب قومه وقال: يا معشر اليهود: والله إنكم لتعلمون أن محمدا نبيٌ وأن نصره عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت، ثم أخذ سلاحه وحضر مع النبي(صلى الله عليه وآله) فأصابه القتل، فقال رسول الله: (مخيريق خير يهود) وقد كان مخيريق حين خرج إلى أُحُد قال: إن أُصبت فأموالي لمحمد (صلى الله عليه وآله)[4].
وتفصيل قصة هذه الحوائط في وفاء الوفا[5]، وكتابي الأحكام السلطانية للماوردي، ولأبي يعلى[6]، والاكتفاء[7].
وروى السمهودي عن الواقدي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) وقف الأعواف وبرقة وميثب والدلال وحسنى ومشربة أم إبراهيم سنة سبع من الهجرة[8].
2- ما وهب الأنصار من أرضهم للنبي (صلى الله عليه وآله): عن ابن عباس قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لماّ قدم المدينة جعلوا له كل أرض لا يبلغها الماء يصنع بها ما يشاء[9].
3- أرض بني النضير: لما قدم اليهود المدينة نزل بنو النضير بطحان من العالية، وبنو قريظة مهزورا منها، وهما واديان يهبطان من حرة هناك، وكانت تنصب منها مياه عذبة[10].
ولما أفاء الله على رسوله هذه الأرض قال له عمر: ألا تخمس ما أصبت؟ فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله): لا أجعل شيئا جعله الله لي دون المسلمين بقوله تعالى: (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ...) [11]. كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين.
وأجمع علماء السير[12] والحديث[13] والتفسير[14] على أن أرض بني النضير[15] كانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، صافية له، يتصرف فيها تصرف المُلاّك في أملاكهم، ينفق منها على أهل بيته، ولِما ينتابه، ويهب منها ما يشاء لمن يشاء، أقطع منها أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي وآخرين وكان ذلك في سنة أربع من الهجرة[16].
4- أراضي خيبر: خيبر على ثمانية بُرُد - جمع بريد وهو مسافة في الأرض - من المدينة لمن يريد الشام ويطلق هذا الاسم على الولاية، وكانت تشتمل على سبعة حصون منيعة أو ثمانية[17] ومزارع ونخل كثير[18] يقطنها عتاة اليهود، وقد تحالفوا مع القبائل العربية.
قصدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد عودته من الحديبية في صفر سنة سبع أو هلال ربيع الأول منها[19]، ولم يأذن (صلى الله عليه وآله) لأحد تخلف عن الحديبية وأرجف بالمسلمين[20] أن يشهد معه خيبرا إلا جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري[21].
حاصر النبي (صلى الله عليه وآله) اليهود في حصونهم بخيبر قريبا من شهر، وكانوا يُخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل[22] ففتح بعضها عُنوة وبعضها صلحا[23]، فخمّس ما أخذها عنوة، وقسّم أربعة أخماسها بين المسلمين ممن كان شهد خيبرا من أهل الحديبية[24].
ولمّا لم يكن له من العمّال من يكفيه عمَلُ الأرض، دفعها إلى اليهود يصلحونها على نصف ما خرج منها[25]، قالوا: قسّم النبي (صلى الله عليه وآله) خيبرا على ست وثلاثين سهما، وجعل كل سهم مائة سهم، لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ثمانية عشر سهما، وثمانية عشر سهما للمسلمين اقتسموها بينهم، ولرسول الله(صلى الله عليه وآله) مثل سهم أحدهم[26]، وقالوا: قسّم سهمي المسلمين بين من حَضَر الحديبية، ومن قَدِم مع جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) من أرض الحبشة[27].
قالوا: وكان حصن الكتيبة من سهم الخمس، فيما كان الشق والنطاة وسلالم والوطيح للمسلمين فأقرها (صلى الله عليه وآله) بيد اليهود على الشطر، ويقسم ما يخرج الله منها بين المسلمين حتى كان عمر، فقسم رقبة الأرض بينهم على سهامهم[28].
وفي سيرة ابن هشام والاكتفاء وغيرهما واللفظ للأول: كانت الكتيبة خمس الله وسهم النبي (صلى الله عليه وآله) وسهم ذوي القربى والمساكين وطعم أزواج النبي وطعم رجال مشوا بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل فدك بالصلح[29].
وفي فتوح البلدان: وجعل لأزواج النبي(صلى الله عليه وآله) فيها نصيبا وقال: (أيتكن شاءت أخذت الثمرة، وأيتكن شاءت أخذت الضيعة لها ولورثتها)[30].
وقد ورد في مغازي الواقدي تسمية سهمي الكتيبة بتفصيل واف[31].
وفي وفاء الوفا: أن أهل الوطيح وسلالم صالحوا عليها النبي (صلى الله عليه وآله)، فكان ذلك له خاصة وخرجت الكتيبة في الخمس وهي مما يلي الوطيح والسلالم فجمعت شيئا واحدا، فكانت مما ترك رسول الله من صدقاته[32]، وهو يقتضي أن بعض خيبر فتح عنوة وبعضها صلحا. وبه يجمع بين الروايات المختلفة في ذلك[33].
وقال القاضيان الماوردي وأبو يعلى: (وملك من هذه الحصون الثمانية ثلاثة حصون: الكتيبة والوطيح والسلالم. أما الكتيبة فأخذها بخمس الغنيمة، وأما الوطيح والسلالم فهما مما أفاء الله عليه لأنه فتحهما صلحا فصارت هذه الحصون الثلاثة بالفئ والخمس خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)[34]. ويؤيد ما ذكروا أن سهام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خيبر كانت ثمانية عشر سهما.
5- وادي القرى: وادي القرى واد بين المدينة والشام، ما بين تيماء وخيبر، وتيماء بليد بأطراف الشام[35]. وسمي وادي القرى، لأن الوادي من أوله إلى آخره قرى منظومة، وفيه قرى كثيرة على طريق حاج الشام وكان يسكنها اليهود[36].
فدك نحلة خالصة:
6- فدك: قال ياقوت: فدك قرية في الحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة، وفيها عين فوارة ونخل كثير[37].
ينقل أرباب التاريخ والسير أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد انتصاره على اليهود في واقعة خيبر بعد حصاره لهم، والفتح الذي كان على يدي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبعد ما آل إليه مصير اليهود في تلك المنطقة، أصاب الرعب والخوف قلوب أهل فدك من اليهود، فأرسلوا إلى النبي(صلى الله عليه وآله) بأنهم مستعدون للصلح معه على أن يكون له النصف من أملاكهم، فقبل النبي(صلى الله عليه وآله) بذلك فأصبحت أرض فدك - من ضمن هذا النصف - ملكاً خالصاً للنبي(صلى الله عليه وآله)، لأنها مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، والقرآن يصرح بأن الأرض المفتوحة بدون قتال تكون ملكا خالصا للنبي(صلى الله عليه وآله)، وذلك قوله تعالى: (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [38]. وعندما رجع النبي(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة نزل جبريل (عليه السلام) حاملا الآية: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)[39]، فسأل رسول الله(صلى الله عليه وآله) جبرائيل (عليه السلام) مستفسراً عن ذي القربى مَن هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبريل(عليه السلام) ثانية وقال: إن الله تعالى يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمة (عليها السلام)، عندها طلب النبي(صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة وقال: إن الله أمرني أن أدفع لكِ فدكا، فقبلت بذلك (عليها السلام) بحضور الشهود، وتصرفت بها واستلمت عوائدها على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) لمدة ثلاث سنوات، والمسلمون يرون ذلك والنبي (صلى الله عليه وآله) أقرها، وكانت تنفق العوائد على المساكين والمحتاجين.
وهذا الخبر لا ينفرد به الشيعة، بل صرح به كبار مفسري وعلماء العامة.
[1] طبقات بن سعد: ج1، ص502.
[2] وهي غرفة أسكن النبي(صلى الله عليه وآله) فيها زوجته ماريا وكان اسفل هذه الغرفة بئر. والمشربة: بفتح الميم وفتح الراء وضمها: الغرفة، وإنما سميت بذلك لأن إبراهيم بن النبي (صلى الله عليه وآله) ولد فيها وتعلقت أمه حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، مجمع البحرين: ج2، ص89.
[3] إمتاع الأسماع: ص 46.
[4] مغازي الواقدي: ص262- 263، وإمتاع الأسماع: ص146، والإصابة: ج3، ص373.
[5] وفاء الوفا: ص944 - 988.
[6] كتابي الأحكام السلطانية للماوردي: ص 169، ولأبي يعلى: ص183.
[7] الاكتفاء: ج2، ص103.
[8] وفاء الوفا: ص989. وفي البحار: ج8، ص108، عن أبى الحسن الرضا 8: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)خلف حيطانا بالمدينة صدقة.
[9] الأموال لأبي عبيد: ص282، باب الأقطاع من كتاب أحكام الأرضين.
[10] معجم البلدان مادة (بطحان) بضم أوله أو فتحه وسكون ثانيه وراجع (البويرة) منه.
[11] سورة الحشر: آية 6.
[12] مغازي الواقدي: ص363 - 78 ، وإمتاع الأسماع للمقريزي: ص178- 182.
[13] سنن أبي داود: ج3، ص48، كتاب الخراج، والنسائي: 2ج2، ص178، باب قسم الفيء، وشرح النهج: ج4، ص78.
[14] تفسير سورة الحشر بتفسير الطبري: ج28، ص24 - 25، والنيسابوري بهامش الطبري: ج28، ص38، والدر المنثور: ج6، ص192.
[15] في كتابي الأحكام السلطانية للماوردي: ص169، ولأبي يعلي: ص183: إلا ما كان ليامين بن عمير وأبي سعد بن وهب، فإنهما أسلما قبل الظفر فأحرز لهما إسلامهما جميع أموالهما.
[16] فتوح البلدان للبلاذري: ج1، ص18- 22.
[17] الأحكام السلطانية للماوردي: ص169، ولأبي يعلى: ص184.
[18] مادة خيبر من معجم البلدان وفيها أن خيبر بلسان اليهود الحصن، وسميت خيابر، لأنها كانت تشتمل على عدة حصون.
[19] مغازي الواقدي: ص634.
[20] نفس المصدر: ص634.
[21] الدر المنثور للسيوطي: ج6، ص194.
[22] مغازي الواقدي: ص637.
[23] وفاء الوفا: ص1210.
[24] فتوح البلدان: ج1، ص31.
[25] نفس المصدر: ج1، ص26- 28، وفي مغازي الواقدي: ص698- 699: لما توفي أبو بكر كان وِلدُه ورثته يأخذون طعمته من خيبر مائة وسق في خلافة عمر وعثمان - إلى قوله- حتى كان زمن عبد الملك أو بعده فقطع.
[26] نفس المصدر: ج1، ص29، والأموال لأبي عبيد: ص56.
[27] فتوح البلدان: ج1، ص32.
[28] نفس المصدر: ج1، ص28.
[29] سيرة بن هشام: ج2، ص404، والاكتفاء في مغازي رسول الله، والثلاثة الخلفاء: ج2، ص268، وراجع مغازي الواقدي: ص692- 93، وإمتاع الأسماع: ص329.
[30] فتوح البلدان: ج1، ص32.
[31] مغازي الواقدي: ص693، وراجع فتوح البلاذري: ج1، ص27، وطبعة أخرى: ج1، ص33.
[32] اصطلحوا كما ذكرنا على تسمية كل ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله)من ضياع بالصدقة أخذا برواية أبي بكر عن النبي: (ما تركنا صدقة).
[33] وفاء الوفا: ص1210، وراجع سيرة ابن هشام.
[34] في كتابي الأحكام السلطانية للماوردي: ص170، ولأبي يعلى: ص184- 185، وراجع الأموال لأبي عبيد: ص56.
[35] مادة (تيماء) من معجم البلدان.
[36] مادة (القرى) و(وادى القرى) من معجم البلدان.
[37] مادة (فدك) من معجم البلدان.
[38] سورة الحشر: آية 6.
[39] سورة الإسراء: آية 26.