لا تسأل عما لا يكون ففي الذي قد كان لك شغل

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لاَ تَسْأَلْ عَمَّا لاَ یَکُونُ فَفِي الَّذِي قَدْ کَانَ لَكَ شُغُلٌ»[1].

في حياة الإنسان دوائر معرفية عملانية ثلاث هي:

الدائرة الأولى: هي دائرة النفس الخاصة وهي في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ * لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ * إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[2]، وهذه الدائرة خاصة بنظم الأمور الداخلية يعني إصلاح الإنسان لنفسه وانشغاله بعيبه.

الدائرة الثانية: هي دائرة إصلاح النفس وتكميلها، لكن بعد تجاوز مرحلة ما، في هذا الأمر يتوجه إلى إصلاح الأهل وذلك نجده في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[3].

الدائرة الثالثة: هي دائرة الإصلاح العالمية، وذلك بعد تجاوز المرحلتين (إصلاح النفس وإصلاح الأهل) وذلك نجد في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[4].

في خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلاه نجد الجامعية بين المراتب الثلاثة، فالخطاب بـ(لا تسأل عمّا لا يكون) نهي عن طلب مالم يأت وقته، ولم تحن قدرة المرء على بلوغه، وحث لشغل الإنسان بإصلاح نفسه وعدم إقحامها في موار لما يأتي وقتها وربما كان الاستعجال فيها مورد عطب وهلكة، وأيضاً هناك نهي عن الانشغال والتعلّق بالأوهام التي تضيع جهد المرء؛ لأنّ الوهم يقرّب الأمر وهو ليس كذلك في الحقيقة، فهو كالسراب الذي يظنّه العطشان ماءً وليس هو بذلك.

هذا أمر والأمر الثاني الذي يُشير إليه خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، هو: «ففي الذي قد كان لك شغل»، وهذا بيان لثيمات - العلامات الخاصة للحقيقة- الحقيقة وفيها دعوة لقصر الجهد في ما ينتج الحقيقة، لأنّ غير الحقيقة ليس له القدرة على إيصال الإنسان إلى سعادته وتكامله ومعرفة أصل وجوده ممَّنَ وإلى أين صائر وفقنا الله وإيّاكم لاقتفاء الحقيقة من طريق محمد وآله، فهي عندهم فقط.

مجلة ولاء الشباب العدد (66)

 


[1] جامع أحاديث الشيعة، السيد حسين البروجردي: ج15، ص234.

[2] المائدة: آية 105.

[3] التحريم: آية 6.

[4] الأنبياء: آية 107.