روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأخيه عقيل: (اُنظُر إلَى امرَأَةٍ قَد وَلَدَتهَا الفُحولَةُ مِنَ العَرَبِ، لِأَتَزَوَّجَها فَتَلِدَ لي غُلاماً فارِساً)[1].
أمُ البنين فاطمةُ بنت حزام الكلابي تلك المرأة العظيمة، عندما يذكر هذا الاسم الطاهر يقترن بموقف تأريخي عطّل قوانين الطبيعة الإنسانية، بل غيّرها وبدّلها إلى ما هو أسمى من المتعارف، فأول ما يخطر الى الذهن موقفها العظيم مع الإمام الحسين (عليه السلام)، إمام زمانها، المفترض الطاعة، لكن هذه المرأة تجاوزت مرحلة الطاعة إلى أعظم درجات التضحية.
من الطبائع التي تنظّم الحياة، والتي جعلها الله تعالى في مخلوقاته غريزة الأمومة، خصوصاً في الحيوانات اللبونة، والإنسان هو أكرم تلك المخلوقات على الله تعالى، فكانت هذه الغريزة فاعلة في عالمه أشد من فاعليتها في غيره من الحيوانات، فتعلّق الأم بأولادها وصل إلى حد تضحيتها بنفسها من أجلهم، وصفة الأمومة تقضي تفضيلهم على الآخرين، ولا تستبدلهم بأحد أبداً.
هذا القانون الغريزي تغيّر عند سيدتنا أم البنين (عليها السلام) ففضّلت هذه الأم الحنون ابنَ زَوجها على أبنائها، وقدمته عليهم، فأي نوع من الطاقة جعلها تتنازل عن طبيعتها ويهون عليها مصرع أولادها حتى تأثرت بمصرع الحسين (عليه السلام) أكثر منهم؟
إن أم البنين (عليها السلام) ليست امرأة عادية، صفاتها غير عادية، إيمانها، تقواها، ورعها، لذا كانت تنظر إلى الحياة نظرة مختلفة، كان الحسين (عليه السلام) في نظرها إمام زمانها، وكانتْ تدرك أنّ كل مؤمن لابد أن يرتبط قلبه بالإمام المعصوم من الناحية النظرية ومن الناحية العملية، فجسّدتْ الأمرين بتضحية منقطعة النظير، وحاربتْ نفسها ومغريات هذه الدنيا الدنية، وزخرفها وزبرجها، ذلك أن قلبها ممتلئٌ بحبِّ الإمام حيث لا مكان لغيره ولا طاعة ولا ولاء لأحد غيره.
مجلة ولاء الشباب العدد (46)