صلاة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) تعدل عشرة آلاف صلاة
المسجد النبوي، أو الحرم النبوي، أحد أكبر المساجد في العالم وثاني أقدس مسجد في الإسلام (بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة)، وهو المسجد الذي بناه النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة بعد هجرته سنة 1هـ الموافق 622م بجانب بيته بعد بناء مسجد قباء.
فبعدما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من مكة مهاجراً ووصل يثرب اجتمعت القبائل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطلبوا منه أن يقيم في بيوتهم، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يرفض ويقول لهم: (خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة)، وبعد أن اجتازت الناقة مختلف القبائل ووصلت إلى بيوت بني مالك بن النجار، وبركت مقابل دار أبي أيوب الأنصاري.
الأرض التي بركت عليها الناقة كانت تعود إلى يتيمين من قبيلة بني النجار باسم سهل وسهيل، بعد ذلك اشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأرض من ولي اليتيمين معاذ بن عفراء بعشرة دنانير وبنى عليها مسجده وأرسى قواعده وأصبح من ذلك اليوم القاعدة الحصينة التي انطلق منها الإسلام وانتشر نوره إلى ربوع العالم الذي كان مظلماً بالجاهلية الجهلاء، ومن هذا المسجد أخذ
النبي (صلى الله عليه وآله) يدير شؤون دولته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
وكان طول المسجد يومئذ ما يقارب 35 متراً، وعرضة 30 متر، فتكون مساحته 1050 متراً مربعاً، وكان سقفه بارتفاع 2.5 متراً تقريباً. وكانت أعمدة المسجد من جذوع النخل وسقفه من الجريد (أغصان النخيل)، وأساسه من الحجارة وجداره من اللبن، وجعل وسطه ساحة، وكان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) يبني معهم بنفسه، ويحمل الحجارة واللبن، وجعل للمسجد 3 أبواب: باب الرحمة (في جهة الشرق)، وباب جبرئيل (في جهة الغرب)، وباب في المؤخرة (في جهة الجنوب)، وجعل قبلة المسجد لبيت المقدس ولما تحولت القبلة للكعبة في السنة 2 هـ، سد الباب الذي كان في المؤخرة وفتح باب في مواجهته في الجهة الشمالية، وروي أنه استمر بناء المسجد سبعة أشهر، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبني بيده مع أصحابه الخلص أمثال علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله) وسلمان المحمدي والمقداد بن الأسود وغيرها.
توسعة المسجد النبوي:
شهد المسجد النبوي توسعات متعدد عبر التاريخ، أولها في السنة السابعة بعد الهجرة وذلك على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) المباركة بعد رجوعه من معركة خيبر حيث أصبحت مساحته (2433) متراً مربعاً.
ثم زاد فيه عمر وعثمان من جهة الغرب والشمال، وذلك في سنتي 17 هـ و29هـ وزاد عثمان أيضاً عدة اسطوانات من جهة القبلة «جنوبي المسجد»، وبنى محراباً.
وفي سنة 88 هـ زاد عمر بن عبد العزيز - حين تولى المدينة للوليد بن عبد الملك - ست اسطوانات من الشرق إلى الغرب، وأربع عشرة اسطوانة في شمال المسجد، ثم وسعه المهدي العباسي من جهة الشمال، في سنة 161 هـ.
وحدثت في أيام دولة المماليك عمليات ترميم وتوسعة بارزة أهمها قبة خشبية عملت فوق الحجرة النبوية (عرفت لاحقاً بالقبة الخضراء) التي أنشأها السلطان محمد بن قلاوون عام 678 هـ، ثم جددها السلطان قايتباي، وكذلك القبة التي بناها قايتباي في المحراب العثماني.
وجرت في المسجد أيام العثمانيين عمليات ترميم وتعمير، وأكبر توسعة وتعمير وتزيين كانت من قبل السلطان عبد المجيد، إذ استمرت العمليات من سنة 1265 هـ إلى آخر حكمه سنة 1277هـ.
وفي العصر الحالي حدثت - في عام 1370 هـ وعام 1406 هـ - توسعات كبيرة في كل جهاة المسجد ما عدا جهة القبلة، تضاعفت فيها مساحة المسجد، إضافة إلى الساحة التي تهدمت ورصفت بالرخام في خارج المسجد (عمارة وتوسعة المسجد النبوي عبر التاريخ: 165 و 202)، وبشأن جريان الأحكام الفقهية الخاصة بالمسجد النبوي على هذه الزيادات تردد من قبل الفقهاء.
فضائل المسجد النبوي:
ورد كثير من الروايات التي تبين فضل المسجد النبوي، ومكانته عند المسلمين، ومن ذلك:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صلاة في مسجدي تعدل عند الله عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة[1].
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أربعة من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة[2].
قال أبو عبد الله (عليه السلام): (صلاة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) تعدل بعشرة آلاف صلاة).
محاريب المسجد النبوي:
وهي مواضع الصلاة التي كان يصلي عندها النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده، ولم يكن غي عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ولا من جاء بعده من الحكام محراب مجوف، وكان أول من أحدثه عمر بن عبد العزيز أثناء توسعته عام 91 هـ، والمحاريب الموجودة الآن والتي يراها الزائرون.
أساطين المسجد النبوي:
وهي السواري (الأعمدة) التي في المسجد النبوي في القسم القديم منه، أقيمت في عمارة السلطان العثماني عبد المجيد الأول في مكان السواري التي كانت في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) من جذوع النخل، فقد تحروا عند البناء مواقعها، وإذا أطلق اسم على سارية فالمقصود بذلك مكانها، وفي المسجد النبوي 8 سواري (اسطوانات) دخلت التاريخ، فقد كان لكل واحدة منها قصة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)،
وهي: اسطوانة المُخلقة وعائشة والتوبة والسرير والحرس والوفود.
معالم أخرى في المسجد:
منبر النبي محمد (صلى الله عليه وآله):
كان النبي (صلى الله عليه وآله) يخطب أولاً على جذع نخلة ثم جاء رجل من الأنصار وصنع منبراً من الخشب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من ثلاث درجات في السنة السابعة أو الثامنة من الهجرة، فصار يخطب عليه.
روى البخاري في كتابه عن جابر: (أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً؟ قال: إن شئتم، فجعلوا له منبراً، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي (صلى الله عليه وآله) فضمه إليه يئن أنين الصبي الذي يسكن قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها).
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة وقوائم منبري ربت في الجنة، قال: قلت: هي روضة اليوم؟ قال: نعم إنه لو كشف الغطاء لرأيتم)[3].
وظل هذا المنبر قائماً حتى عام 654 هـ حيث احترق أثناء الحريق الذي شب في المسجد آنذاك، والمنبر الموجود الآن مصنوع من المرمر أهداه السلطان مراد خان الثالث في شهر محرم سنة 998هـ.
وأقيم بعد الجذع مكانه اسطوانة تعرف بالاسطوانة المخلقة أي: المطيبة، ولحرمة هذا المنبر جعل النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إثم من حلف عنده كاذباً، حيث قال: (لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار)[4].
وهي موضع في المسجد النبوي واقع بين المنبر وحجرة النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن فضلها عند المسلمين أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة) (الترعة: الباب الصغير)[5].
وروي أن العلة في كون ما بين قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وبين المنبر روضة من رياض الجنة أنه من عبد الله بين القبر والمنبر وعرف حق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وتبرأ من أعدائهم فله عند الله عز وجل روضة من رياض الجنة ولا يكون له ذلك في غير ذلك الموضع، وهي الآن محددة بسجاد أخضر اللون مختلف عن بقية سجاد المسجد.
الصفّة أو دكة الأغوات:
بعدما حولت القبلة إلى الكعبة أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بعمل سقف على الحائط الشمالي الذي صار مؤخر المسجد، وقد أعد هذا المكان لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وإليه ينسب أهل الصفة من الصحابة، وكان جل عمل أهل الصفة تعلم القرآن والأحكام الشرعية من رسول الإسلام أو ممن يأمره رسول الاسلام بذلك، فإذا جاءت غزوة، خرج القادر منهم للجهاد فيها.
المصدر: بيوت المتقين (6) - شهر ربيع الأول 1435هـ