المسجد الجامع في أصفهان

المسجد الجامع في أصفهان

هناك الكثير من المساجد العصرية في جميع أنحاء العالم تم بناؤها على مدى العقود الماضية، حيث تُعتبر تحفة معمارية غاية في الجمال والروعة إلا أنها لا تملك قيمة تاريخية توازي بها المساجد الأثرية الموجودة في البلاد الإسلامية، وفي الجمهورية الإسلامية

الإيرانية مجموعة من المساجد الجميلة والتي -للأسف- لا يعرف الكثير من الناس بوجودها، وهي منتشرة في طول البلاد وعرضها، ومنها ما يوجد في مدينة أصفهان الواقعة في قلبِ إيران والتي تُعَدُّ عاصمةَ العلومِ والثقافةِ والفنونِ.

اليومَ سنتعرفُ على المسجدِ الجامعِ في أصفهان والذي أُدرِج على قائمةِ التراثِ العالمي لمنظمةِ اليونسكو، ويُعتَبَرُ أولَ بناءٍ إسلاميٍ يقومُ على أساس إدخالِ طرازِ القصورِ الساسانيةِ القديمة في إطارِ العمارةِ الإسلامية، كما اَنهُ يَعكِسُ أيضاً تطورَ العمارةِ عبرَ العهودِ التاريخيةِ المختلفةِ في إيران.

يوجد المسجد في حي أصفهان القديم الواقع في شارع العلامة المجلسي (الذي فيه قبر العلامة المجلسي الأول والد صاحب البحار وصاحب البحار وولده)، مركز المدينة القديمة، ويعد من أبرز المساجد الكبرى الموجودة في المدينة، ويعتبر هذا المسجد نموذجا للعمارة الإسلامية القديمة، التي تطورت مع تقدم العمر، مما أسفر عن إضافة الكثير من التعديلات والتحسينات عليها لتصبح على ما هي عليه اليوم، حيث قام السلاجقة بتوسعة المسجد هندسيا وأضافوا له وحدات معمارية جديدة، فقاموا بعمل قباب كبيرة، أما المغول فأحدثوا فيه عدة تصاميم كما قام الصفويون بتزيينه بوحدات زخرفية كانت ثورية في وقتها، بحيث أن كل من يقوم بالصلاة في هذا المسجد يعجب بذلك كثيراً .

تاريخ مدينة إصفهان

إصفهان أو إصبهان مدينة قديمة في إقليم فارس، تشير كتب الجغرافيين العرب إلى أنها سميت بأصبهان بن نوح الذي بناها، أو أنها تعني في لغة الفرس القديمة بلد الفرسان (إصبه بمعنى بلد وهان تعني فارس) وقد اشتهرت منذ القدم بصناعاتها المتقنة وخصوصا في المنتجات النسيجية من الأقمشة والسجاد، ومختلف الحرف اليدوية فضلا عن الهندسة والبناء.

وقد بلغت شأوا كبيراً في عهد الشاه إسماعيل الصفوي وولده الشاه طهماسب عندما اتخذت حاضرة للدولة الصفوية حتى قيل في حقها. القول المشهور: (إصفهان نصف جهان) أي: نصف الدنيا لروعة عمائرها الدينية والمدنية.

وفي عام 18 هـ / 640 م فتح المسلمون إصفهان، وفي العهد الإسلامي شهدت المدينة العديد من المعارك كما شهدت أيضا فترات زاهرة، وقد أعقب ضعف الخلافة في نهاية القرن العاشر الميلادي نشوء سلالات حاكمة محلية داخل إيران من خلال التجمعات الأسرية.

وصف المسجد

المسجد الجامع في إصفهان من أقدم المساجد الباقية في إقليم فارس، أنشأه الفاتحون المسلمون عام 23 هـ / 644 م في معبد للنار المجوسية عندما دخلوا البلاد، وكان أول أمره مسجدا صغيرا، ثم هدم وبني مرارا حتى جاء السلاجقة فأعادوا بناءه على الصورة التي بقي عليها إلى اليوم.

وهو ينتمي بتصميمه إلى الطراز الثاني من طرز المساجد الجامعة والذي ظهر بعد طراز المساجد الجامعة ذات الصحن الأوسط والظلات الأربع، ويتميز هذا الطراز الذي تطور عن نظام المدارس ذات الإيوانات بالاعتماد على الصحن الأوسط مع إحلال الإيوانات ذات الأقبية مكان الظلات ذات البوائك. ورغم أن تاريخ تشييد جامع إصفهان لا يعرف على وجه اليقين إلا أنه من الثابت أنه بني في العصر العباسي في فترة سابقة على عصر دولة السلاجقة التي عني ملكها السلطان ملكشاه بترميم الجامع والإضافة إليه.

فالمبنى الحالي يرجع إلى عصر السلطان ملكشاه ( 464 هـ / 1072 - 484 / 1092 م)، وقد أضاف إليه السلطان «أولجايتو محمد خدابنده» قسما كبيرا بين سنتي 702 هـ / 1303 - 715 / 1316 م، وعهد إلى وزيره محمد صافي بإنشاء محراب يعتبر من أجمل المحاريب الإيرانية وهو مزين بالخزف والقاشاني.

أبعاد المسجد

يحتل جامع إصفهان مساحة مستطيلة طولها 170 متراً وعرضها 140 متراً وهو بذلك من المساجد الكبيرة المساحة، ويتوسط مساحة الجامع التي تقدر بنحو 23,800 متراً مربعاً، صحن أوسط مكشوف ( 65 م 55 × م) وتحيط به الآن أربع مجموعات من المباني ويقع في كل محور من محاور الصحن إيوان له سقف من عقد مدبب ممتد )قبو طولي( ووراء الإيوان الجنوبي قبة بها المحراب الرئيسي للجامع وكذلك المنبر، ويفتح الإيوان الشمالي المقابل لإيوان القبلة من الجانبين على أروقة ذات أعمدة وعقود.

وتعود الكتل المعمارية المحيطة بالصحن إلى فترات تاريخية مختلفة أضيفت معها إلى بناء الجامع الأصلي عدة قاعات وهى تقع بخاصة على حافات الصحن ويوجد خارج القاعات والإيوانات مساحات مسقوفة أو ظلات.

وقد شيد جامع إصفهان في العصر العباسي باستخدام الطوب الأحمر (الآجر) غير أن بعض الإضافات استخدمت فيها الأحجار بالإضافة إلى الأعمال الزخرفية التي استخدمت بلاطات القاشاني فيها بإسراف فني ملحوظ.

ويعود تاريخ بناء القبة الواقعة خلف إيوان القبلة إلى عهد السلطان السلجوقي ملكشاه مع ملاحظة أن طريقة تحقيق الاتصال بين إيوان القبلة وهذه القبة لم تظهر في أي جامع آخر من هذا الطراز قبل عام 530 هـ.

ويعتقد علماء الآثار أن حدود المسجد العباسي القديم تعينها اليوم الجدران الخارجية للحوائط الخلفية للإيوانات الأربعة، فلم يبق من المسجد الجامع في إصفهان إلا جدرانه، أما القاشاني والقباب والمآذن التي تزين المسجد فتعود إلى العصور التالية..

ولجامع إصفهان ثلاث بوابات رئيسة إحداها في الجانب الشرقي والأخريان في الجانب الغربي، وفي ذلك مراعاة للتقاليد المعمارية التي رافقت تأسيس المساجد الأولى والتي تقضي بعدم فتح أي أبواب أو مداخل في جدار القبلة.

أما بالنسبة لقباب المسجد فقد صنعت في عهد السلاجقة، حيث قاموا ببناء القبة الجنوبية أولاً، وهى أكبر القبتين، وقام ببنائها نظام الملك، بعد ذلك بوقت قصير، بنى تاج الملك قبة أخرى في الناحية الشمالية على الرغم من أنها أصغر حجماً، إلا أن شكلها

أروع كثيراً حيث صُمّمت بطريقة هندسية معقدة، لقد بنيت هذه القباب بطريقة محكمة حيث تعرضت المدينة لزلازل كبرى على مدى السنوات الـ(900) الماضية دون أن تفقد لَبِنَة واحدة.

توجد في باحة المسجد المركزي نافورة كبيرة جنبا إلى جنب مع أربع بوابات شاهقة حولها، كما توجد أربعة مجالس إيوان سوف تمكنك من مشاهدة بانوراما رائعة عندما تقف في منتصف المسجد، وعند مقارنة هذه الهياكل العظيمة مع حجم الإنسان الذي قام بتأسيسها سوف تدرك مدى دقة الحرفيين الذين قاموا ببنائها.

المصدر: بيوت المتقين (19) شهر ربيع الثاني 1436هـ