الأجير والمستأجر

في بداية فصل الصيف قلت لزوجتي: هلّا أخرجتي جميع ملابسي الصيفية فقد جاء موسمها؟

فقالت لي: إنّها جاهزة نظيفة ومكوية، لكنّك تحتاج لبضعة (دشاديش) فقد تُلفت جميعها في الموسم الماضي.

فقلت: يا لها من مشكلة عويصة فقد كنت بحاجة ماسة لإحداها.

فقالت: أَلا ترتدي بنطلوناً وقميصاً بدلاً عنها؟

فقلت لها: المناسبة لا يليق بها إلّا لبس الدشداشة.

عندها ذهبت للخياط الذي افتتح محله حديثا في منطقتنا، فسألته عن إمكانية خياطة ثلاث (دشاديش) لي، إحداها جاهزة بعد غد؛ للموعد الطارئ، فأجاب بالموافقة والترحيب واتفقنا على أجرة خياطتها وأخذ قياس جسدي وأعطاني موعدا لاستلام الأخريين.

وفي الموعد المعين جئت لاستلامها، ولكنّي فوجئت أنّ قياسها لا يناسب جسدي لا طولاً ولا عرضاً وخياطته رديئة.

فقلت له: لن أستلمها فهي لا تناسبني.

فقال: بذلت مجهوداً كبيراً ووقت قياسي لخياطتها وهذه خسارة عليّ إن لم تدفع لي الأجرة.

قلت: عفواً، قد آجرتك عليها بشروط لم تف بها، فلا تستحق الأجرة.

فقال: أنا لست أجيراً عند أحد! فأنا حرّ في مهنتي ولا أعمل عندك ولا عند غيرك.

فقلت: مهلاً، أَلا تعرف معنى الإجارة؟ فلا إهانة فيها!

قال: وما هي؟!

قلت: الإجارة: هي معاوضة على منفعة، عملا كانت أم غيره، فالأول مثل عملك! كإجارة

الخياط للخياطة، والثاني مثل إجارة الدار للسكنى، وفيها شروط عدّة.

فقال: وما هي شروط الإجارة؟

قلت: (الإيجاب والقبول)، فالإيجاب كقولك أنت الأجير: أجرتك نفسي لخياطة الدشاديش؟ والقبول كقولي أنا المستأجر: قبلت، ويجوز العكس في وقوع الإيجاب من المستأجر، والقبول من اُلمؤجَر.

فقال: لكن هذا الكلام لم يجرِ بيننا.

قلت: اتفقنا على الإجارة بعبارات مؤداها هذا الكلام، بل أبعد من ذلك لو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة، فكما تجري المعاطاة في البيع تجري في الإجارة، ولكن هناك شروط في صحتها؛ بعضها في المتعاقدين؛ وبعضها في العين المستأجرة؛ وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة؛ وبعضها في الأجرة.

فقال: وما معنى المتعاقدين وشروطهما؟

فقلت: المتعاقدين هما: المؤجر والمستأجر، مثلي ومثلك، وشروطهما: أن يكون كلّ منهما بالغاً عاقلاً مختاراً.

فقال: وما شروط العين المستأجرة؟

فقلت: أن تكون العين المستأجرة:

1ـ مُعيّنة، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال الشخص: أجرتك إحدى دوري.

2ـ معلومة، إمّا بالمشاهدة وإمّا بذكر الأوصاف.

3ـ إمكانية تسليمها، فلا تصح إجارة الحيوان للنقل أو التحميل إذا كان شارداً.

4ـ إمكانية الانتفاع بها مع بقاء عينها، فلا تصح إجارة الخبز للأكل مثلاً لزوال العين.

5ـ قابلية الانتفاع بها، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

فقال: والآن ما هي شرائط (المنفعة) المقصودة بالإجارة؟

قلت: هي أمور:

1 - أن تكون محللة، كما في الثوب لارتدائه، لا محرمّة كاستئجار الدكان بشرط بيع أو حفظ الخمر فيه.

2 - أن تكون لها قيمة مالية يُبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 - أن تكون معينة من جهة؛ إن كان للمنفعة جهات متعددة للفائدة، كاستئجار أرض مثلاً ولها فوائد متعددة كالسكن فيها أو إقامة مشروع عليها، أو جعلها مخزنا.

4 - معلوميتها، كخياطة الثوب المُعيّن على كيفية مُعيّنة، وبوقت مُعيّن، كما في حالتنا هذه.

قال: والآن فما شرائط الأجرة؟

قلت: يعتبر في الأجرة أن تكون محددة ومعلومة عند الطرفين.

فقال: إن قال لي أحدهم إن خطت لي قميصا بدرز واحد فلك (15) ألف دينار مثلاً، وإن خطته بدرزين فلك (20) ألفاً، فهل تصح الإجارة؟

قلت: هذه ليست إجارة بل هي جعالة.

فقال: وما الفرق بينهما؟

قلت: في الإجارة تشتغل ذمة المُسْتأجَر بالعمل للمُسْتأجِر حين العقد، وتشتغل ذمة المُستأجِر بالعوض للمُسْتأجَر؛ ولأجل ذلك صارت الإجارة عقداً، وأمّا في الجعالة؛ فلا تشتغل ذمة المالك بالعوض؛ إلّا بعد عمل العامل من دون اشتغال ذمته بالعمل أبداً؛ ولأجل ذلك صارت الجعالة إيقاعاً.

فقال الخياط: وإذا استأجرني شخص على عمل مُعيّن مُقيّد بشرط خاصٍ، فجئت به على خلاف الشرط، هل أستحق الأجرة أم لا؟

قلت: لا، كما في حال خياطتك للدشداشة آنفة الذكر.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (55)