لا يخفى على الباحث المتأمل أن ما بين ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وقيام الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) أوجه شبه كثيرة، بل الأمر لا يقف عند نقاط التشابه بين قيام الإمام الحسين(عليه السلام) والإمام المهدي(عليه السلام) فحسب، بل يتعدى ذلك إلى كون القيامين المباركين للإمام الحسين(عليه السلام) والإمام المهدي الموعود(عليه السلام) بينهم علاقة سببية، وعلاقة مطالبة بثأر، وعلاقة تمهيد بالمبادئ والمنطلقات والأهداف، هذه العلاقة التي يكشف عنها الشعار الذي سوف يرفعه إمامنا الموعود(عليه السلام) عندما يعلن قيامه الأكبر، وهو «يا لثارات الحسين (عليه السلام)»، فقد جاء في رواية ابن شبيب عن الإمام الرضا(عليه السلام): «يَا ابْنَ شَبِيبٍ: إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عليه السلام) فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ، وَقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُونَ، وَلَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ، وَلَقَدْ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ لِنَصْرِهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ، فَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ شُعْثٌ غُبْرٌ إِلَى أَنْ يَقُومَ الْقَائِمُ فَيَكُونُونَ مِنْ أَنْصَارِهِ، وَشِعَارُهُمْ يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ»[1]، وقدْ وردَ في زيارةِ الإِمامِ المهديِّ(عليه السلام): «السَّلامُ على الإِمامِ العَالم، الغَائِبِ عن الأَبْصارِ، والحَاضرِ في الأَمصارِ، والغائِبِ عنِ العُيون، والحَاضرِ في الأَفكارِ، بقيةِ الأَخيارِ، الوَارِثِ ذَا الفِقَارِ، الَّذي يَظْهرُ في بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ ذي الأَسْتَارِ، وَيُنَادي بِشِعَارِ يَا ثَارَات الحُسَيْن»[2].
من هنا ينبغي علينا أن نقف عند هذا الشعار ببعض النقاط المهمة، والتي تكشف لنا المغزى من رفع الإمام المهدي (عليه السلام) لهذا الشعار، وهذه النقاط هي:
1- لو رجعنا إلى الوراء لوجدنا أن هذا الشعار كان شعاراً للتوابين، وهو ذاته كان شعار المختار والثائرين معه على قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)، بل إن هذا الشعار أصبح شعار كل أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في تعازيهم وزياراتهم ومجالسهم وكل نشاطاتهم الدينية، وهو ما يدل على انعكاس هذا الشعار على نفوس شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بكونه يلهبهم الحماس والثورة ضد الحكام والسلاطين الظالمين، والذين ظل هذا الشعار يقض مضاجعهم ويزلزل عروشهم، وهذا بحدِّ ذاته سيمهّد لرفعه في زمن الظهور المبارك.
2- إن الإمام الحجة بن الحسن(عليه السلام) عندما يرفع هذا الشعار إنما يرفعه لأجل أن هذا الشعار يحمل مبادئ وأهداف الإمام الحسين(عليه السلام) في ثورته ضد الطغيان الأموي، قال إمامنا الحسين(عليه السلام) حينما أعلن الخروج إلى العراق: «إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلا بَطِراً ولا مُفْسِداً وَلا ظالِماً، وإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصلاحِ فِي أُمةِ جَدِّى مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله) أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْروفِ وأَنْهى عَنِ المُنْكَرِ، وأَسيرَ بِسيرة جَدِّي مُحَمّدٍ(صلى الله عليه وآله) وأَبي عَلىِّ بنِ أَبِى طَالِبٍ(عليه السلام)»[3]، وهذه المبادئ والأهداف هي التي سيطبقها إمامنا المهدي(عليه السلام) بخروجه لإقامة العدل والصلاح، عندها يتّحد الإصلاح الحسيني مع الإصلاح المهدوي، ويستمدّ حاضره من ماضيه.
3- إن الإمام المهدي(عليه السلام) عندما يرفع هذا الشعار إنما يرفعه لأجل الانتقام من قتلة الحسين(عليه السلام)، عَنْ سَلاَّمِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جعلنا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلاٰ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً»، قَالَ: «هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ((عليه السلام))قُتِلَ مَظْلُوماً وَنَحْنُ أَوْلِيَاؤُهُ، وَالْقَائِمُ مِنَّا إِذَا قَامَ طَلَبَ بِثَارِ الْحُسَيْنِ، فَيُقْتُلُ حَتَّى يُقَالَ: قَدْ أَسْرَفَ فِي الْقَتْلِ-وَقَالَ- الْمَقْتُولُ: اَلْحُسَيْنُ(عليه السلام) وَوَلِيُّهُ: اَلْقَائِمُ، وَالْإِسْرَافُ فِي الْقَتْلِ: أَنْ يَقْتُلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً فَإِنَّهُ لاَ يَذْهَبُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَصَرَ بِرَجُلٍ مِنْ آلِ الرَّسُولِ(صلى الله عليه وآله) يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً»[4].
أما كيف يقتصّ إمام العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) من قتلة الحسين(عليه السلام) وهم غير موجودين في عصره، فهو إما يقتل قتلة الحسين(عليه السلام) بعد إحيائهم، أو يقتل ذراريهم؛ لأنهم رضوا بفعل آبائهم، قال الإمام الرضا(عليه السلام): «... ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه ...»[5].
المصدر: مجلة اليقين العدد (42)