قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
الوفاء فضيلة منسجمة مع الفطرة تتعلق بمشاعر الإنسان ووجدانه، تقرّرها الآية الكريمة: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[1]، فإنّ فطرته النقية تُفصح بجلاء ووضوح بأن الإحسان يكافأ بالإحسان، وهو مبدأ إنساني لا يتوقف على انتماء أو توجه معين، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) في معنى قوله تعالى: (هَل جَزاءُ الإحسانِ إلاّ الإحْسانُ)[2] «جَرَتْ في المُؤمِنِ وَالكافِرِ وَالبَرِّ وَالفاجِرِ، مَنْ صُنِعَ إلَيْهِ مَعْرُوفُ فَعَلَيْهِ أنْ يُكافِيءَ بِه، وَلَيْسَتِ المُكافأةُ أَنْ تُصْنَعَ كَما صَنَعَ حَتّى تَرى فَضْلَكَ، فإنْ صَنَعْتَ كَما صَنَعَ فَلَهُ الفَضْلُ بِالابْتِداءِ»[3].
المرتكز الأساس لهذه الصفة الفاضلة هو أن كلّ شخص يصنع معروفًا صغيراً أو كبيراً، فهو يستحقّ مقابل ذلك المعروف معروفاً وإحساناً أكبر، ومراتب المعروف تختلف حسب رتبة المعروف الأول ومنزلة الشخص الذي يصنع المعروف، فيبدأ بالعرفان القلبي والشكر اللساني إلى أعلى المراتب بحسب المتعلقات ونوع الجميل، فمَن أسدى إليك معروفاً فأنت تنتظر الفرصة السانحة والمبادرة إلى ردّه، هذا هو الوفاء. وكما بيّن الإمام الصادق (عليه السلام) لا يُعتبر في ردّ الجميل غير جنبة الإنسان الصانع للجميل دون الفكر والاتجاه والعنوان.
هذا من ناحية رد الجميل في معنى الوفاء، وثمة معنى آخر للوفاء وهو الالتزام بالعهود والوعود والمواثيق قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[4]، وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)[5].
وتظهر الثمرة الإيجابية لهذا المعنى بجوانب عدة منها:
العلاقات الاجتماعيّة: يعتبر الوفاء أحد مقومات الروابط في العلاقات الاجتماعيّة، كونه نوعاً محبوباً من الالتزام مع الآخرين، وترجمة جميلة لمعاني الإخلاص بين الناس، وبالتالي تتعزّز الثقة والاحترام في بناء المجتمع، كما ويُعتبر الوفاء أساس علاقات الأصدقاء، للمساعدة في مواجهة مشاكل الحياة والوصول إلى الأهداف التي يرسمها الناس لحياتهم.
ومنها العلاقات في العمل: يعتبر الوفاء من أهمّ أسس العمل، سواءً في العمل الوظيفي أو التجاري والخدمي، فالأعمال غالباً تكون بين طرفين أو أكثر، وتعدد الأطراف يحتاج الى روابط صحيحة لإنجاز عمل أو تحقيق هدف، ويعتبر الوفاء من أهم عوامل إنشاء تلك الروابط، فهو يزيد من نسبة الارتياح والثقة تجاه العملاء، فالوفاء يعبّر عن مفهوم الإخلاص الذي يُعنى بالتزام الفرد الصارم اتجاه الوعود التي يقطعها وهي من أهم مميزات نجاح الأعمال.
ولأهمية العهد والميثاق في بناء الأمة على الأخلاق السامية؛ فإن إخلاف الوعد ونقض العهد، تنتقل بصاحبه إلى أسوأ أخلاق السلوك ويخرج من عالم الصادقين المتّقين إلى عالم النفاق، قال تعالى: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ)[6].
وقال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ)[7].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (27)