كيف يقابل المسلمون فتن ما قبل الظهور؟!

العاقل من يتحرّى الخلاص من الفتن:

حين يسمع العاقل من مصادر موثقة، بأن ثمة خطر في مكان معين، فلا شك أنه سيتوخى الحذر من أن يكون فيه، حتى لا يصاب بشيء، وهكذا حين يسمع من المعصوم بأن البلاد الإسلامية ستمرّ بها فتن عصيبة، فلا شك أنه سيبادر بالبحث عن سبيل الخلاص منها.

اتجاهات الصالحين أمام فتن ما قبل الظهور:

وحيث أننا لسنا في زمن ظهور المعصوم(عليه السلام)، حتى نسأله عن كيفية التعامل مع الفتن المقبلة! لذا لا بد من مراجعة الروايات الواردة، لمحاولة الاستفادة من دلالاتها، لنأخذ منها أفكاراً واضحة، تبصّرنا كيفية التعاطي مع الفتن الآتية؛ وبعد الاطلاع الممكن على النصوص الإسلامية، نجد أن الصالحين في زمن الفتن التي تقع بالقرب من عصر الظهور، سيكونون بين ثلاثة اتجاهات، وكل اتجاه له أصل في الروايات، وهي كالتالي:

الاتجاه الأول: الحياد وعدم المشاركة في الإصلاح:

وهذا الخيار يعني الابتعاد عن أي طرف مشترك في الصراع، سواء كان على المستوى الاجتماعي أو السياسي، وقد يصل به الحذر إلى درجة العزوف، عن المساهمة في أي نشاط ثقافي أو اجتماعي، خشية أن يجره ذلك إلى منزلق التصادم، مع أي جهة لا ترضى بذلك النشاط! ولئلا يصنف بأنه منحاز في موقفه، فيتعرض للأذى من قبل جهة ما، ولعل هذا الخيار هو ما عليه أغلب الصالحين في ذلك الزمان.

وهذا الخيار هو من الناحية الشرعية موافق لبعض الروايات الصادرة من كتب الفريقين، والتي تدعو إلى التحلي بالصبر، والابتعاد عن المشاكل لاسيما السياسية منها، عن عبد الله بن عمرو قال: «بينما نحن حول رسول الله (صلى الله عليه وآله)إذ ذكروا الفتنة أو ذكرت عنده. قال: إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه! قال: فقمت إليه، فقلت له: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة»[1].

الاتجاه لثاني: القيام بالإصلاح ولكن بحذر:

وهذا الاتجاه يعني أن المؤمن في ذلك الزمان، سيسعى لإصلاح المجتمع بالسبل الممكنة، تطبيقاً للنصوص الداعية للإصلاح، وفي نفس الوقت سيكون حذراً من الوقوع في الفتنة، لمراعاة للأخبار الواردة في هذا الشأن، وهذا الخيار وإن كان عليه القلة من المؤمنين بالمقارنة مع الاتجاه الأول، إلا أنه قد سار عليه عدد كبير من العلماء والمثقفين، وأكّدوا عليه عند كلامهم في مسألة الانتظار، ورأوا بأن الانتظار للمصلح العالمي، لا يعني التخلي عن الإصلاح في عصر القلاقل والمحن.

ومن الأحاديث التي تدعم هذا الاتجاه، ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): «طوبى للغرباء، قيل: ومَن الغرباء؟ قال: قوم يصلحون حين يفسد الناس»[2].

بيد أن أصحاب هذا الاتجاه مع أنهم يتبنون الإصلاح في المجتمع، إلا أنهم يأخذون الحيطة والحذر أمام الفتن والقلاقل، بمعنى أنهم يحاولون أن لا يكونوا طرفاً في أي صراع اجتماعي أو سياسي، نعم قد تصل النوبة عند هؤلاء إلى السكوت أمام المنكرات، خشية الضرر على أنفسهم، فيكون حالهم حال من تحدث عنهم الإمام الصادق (عليه السلام) في وصفه لآخر الزمان، حيث قال: «ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه»[3]. حيث تكون السيطرة لأناس يحكمون بغير ما أنزل الله!فيرى أصحاب هذا الاتجاه، أن تكليفهم الشرعي يقتصر على الإنكار بالقلب، حفاظاً على النفس من التلف، من قبل أناس قد تخلو عن المبادئ والقيم، وقد جاءت نصوص تشير إلى أن المؤمن في ذلك الزمان يلتزم الصمت، ولعل الالتزام بالصمت يعود إلى الأسباب التالية:

السبب الأول: لعلمه بعدم الفائدة من إنكاره:

وقد أشار الإمام الصادق (عليه السلام) لهذا السبب بإيجاز فقال: «ورأيت المؤمن صامتاً لا يُقبل قوله»[4].

السبب الثاني: لعلمه بأن إنكاره سيجلب له الأذى من قبل مخالفيه!

وقد أشار النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هذا السبب بقوله: «ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغير فيها بيد ولا لسان، فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): وفيهم يومئذ مؤمنون؟ قال: نعم. قال: فينقص ذلك من إيمانهم شيئاً؟ قال: لا، إلا كما ينقص القطر من الصفا، إنهم يكرهونه بقلوبهم»[5].

السبب الثالث: أن يقوم المؤمن بذلك تعبداً وامتثالاً لما ورد من نصوص داعية للسكوت:

عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا اطوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان - إلى أن قال: - قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: حفظ اللسان، ولزوم البيت»[6].

الاتجاه الثالث: القيام بالإصلاح مع مواجهة التحديات:

أي أن أصحاب هذا الاتجاه سيتبنّون خياراً قاسياً في حياتهم، وهو اختيار طريق ذات الشوكة، وهو ما يعبر عنه أحياناً بخيار المواجهة، بمعنى أنهم سيكونون أحد الأطراف المتصارعة اجتماعياً أو سياسياً، فهم معارضون مع كل من يشعرون بأنه حائد عن الدين، سواء كان فرداً أو جماعة أو تكتلاً أو حتى حكومة، وفي أدبيات هذا الاتجاه الدينية والثقافية أنه لا مانع من تقديم الغالي والرخيص، قرباناً في سبيل إعلاء كلمة الإسلام، وأصحاب هذا الخيار هم الأندر من الناس عادة، ومن أبرز الشواهد التي يستدل بها على متانة وقوة هذا المسار، ما جاء عن الإمام الحسين (عليه السلام) قوله: «أما بعد فقد علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال في حياته: «من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله»[7].

وما دام أن الحاكم يتسم بالتجبر والطغيان، فإن اختيار هذا المسلك، لا شكَّ سيخلّف وراءه خسائر كثيرة في الأرواح والممتلكات، فضلاً عن الجرحى والأسرى والمشردين، بل وسيبتلى المجتمع بأزمات نفسية واجتماعية.

 

المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (58) ـ الصفحة: 20 - 21.

 


[1] مسند احمد، احمد بنحنبل: ج 2 ، ص 212.

[2] المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي - ج 8 - ص 134.

[3] الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 - ص 39.

[4] الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 - ص 38.

[5] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 18 - ص 144 - 145.

[6] مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج4 - ص311.

[7] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 - ص 381 - 382 .