تعد قضية صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية كباقي تفاصيل حياته الشريفة صورة مشوهة من صور التأريخ، وما أكثر هذه الصور المطموسة المعالم المنسية الحقائق المقصودة – على الأكثر- بالإهمال أو بالتشويه، إذ أن المصادر التاريخية تصوّر لنا الحسن بن علي (عليهما السلام) - بحسب جملة من المؤرخين الشرقيين والغربيين - هو الخليفة الضعيف في السياسة، المنشغل بالنساء، الذي باع الخلافة لمعاوية بالمال،... إلى كثير من هذا الهَذَر الظالم الذي لا يستند إلى منطق، ولا يرجع إلى دليل، والغرض منه تشويه صورة أهل البيت (عليهم السلام)، وسلب فضائل الصفات التي تحلَّو بها عنهم، وهو تكملة لغرض بني أمية في النَّيل من هذا الدين ورموزه، وسير على نفس الطريق.
لذلك سوف نحاول – قدر الإمكان – في الأوراق القادمة إماطة اللثام عن جملة من الأمور الغامضة التي تكشف حقائق مهمة عن هذا الصلح، وسيتضح لنا أن صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية هو ثورة عاصفة في سِلم لم يكن مِنه بُدّ، أملاه ظرف الإمام (عليه السلام) حيث التبس فيه الحق بالباطل، وقد وَرِث الإمام الحسن (عليه السلام) هذه الخطة من جده (صلى الله عليه وآله) في (صلح الحديبية) وله فيه أسوة حسنة، إذ أنكر عليه (صلى الله عليه وآله) بعض الخاصّة من أصحابه، كما أنكر على الحسن (عليه السلام) (صلح ساباط) بعض الخاصّة من أوليائه فلم يَهُن بذلك عزمه، ولا ضاق به ذرعه.
ولابد قبل ذلك أن نتحدث - ولو يسيرا - عن سيرة الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام)، ثم عن دوافعه للقبول بالصلح، ونحاول أن نستعرض عدداً من القراءات المطروحة من قِبل الباحثين، ونكون منصفين في تمحيصها واختيار القراءة الأكثر نُضجاً، وبُعداً عن الأهواء، ومطابقة مع الواقع، بحسب مُعطياته الواصلة الينا.
شعبة التبليغ الديني