إن هناك دليلاً يمكن الاستناد إليه في إثبات الصانع، وهذا الدليل مساق لردّ من يقول بالصدفة في خلق الكون والموجودات، وينكر وجود الصانع ونبيّه بمثال ثم نحلله بلغة علمية.
لنفترض أَنَّ شخصاً يعمل على آلة طابعة ويحاول كتابة بيت من الشعر بالضغط على الأزرار عشوائياً، والتي عددها مائة بين حروف صغيرة وكبيرة، فإذا أراد مثلاً كتابة هذا البيت:
ألا كُلُّ شَيء مَا خلا الله باطلُ *** وَكُــلُّ نَعيـم لا محـــالةَ زائلُ
فإن احتمال أَنَّ الضربة الأُولى وقعت على الحرف الأَوّل الصحيح من القصيدة - صدفة – وهو «أ»، والضربة الثانية جاءت صحيحة أيضاً على الحرف الثاني -صدفة - وهو «لا»، والضربة الثالثة أَصابت الحرف الثالث -صدفة - وهو «كـ»، وهكذا بقية الحروف.... هو احتمال في مقابل احتمالات كثيرة وبأرقام صعبة، إذ عليك أَنْ تضرب عدد حروف الآلة الطابعة في نفسها بقدر عدد حروف القصيدة المراد تحريرها، فلو كانت حروف الآلة الطابعة مائة، وعدد حروف البيت من القصيدة «38» فسوف يكون عدد الاحتمالات واحد أمامه «76» من الأصفار.
ولو أَضفنا إلى البيت الأوّل بيتاً آخر، فإِنَّ احتمال تحرير هذين البيتين على يد صاحبنا الأعمى صدفة، سيصل إلى عدد يقرب من الصفر.
ومن هنا نقول أنه يستحيل على المفكّر أَنْ يتقبّل هذا الاحتمال الضئيل من بين تلك الاحتمالات والفرضيات الهائلة. وكلّ عاقل عندما يرى بيتين من الشعر قد كتبا بالآلة الطابعة بصورة صحيحة، يدرك على نحو القطع بحكمة وعلم وإرادة كاتبها. ولا يمكن أن يرجعها إلى الصدفة إلا بناءً على الاحتمال المذكور.
وبلغة علمية أن الحياة على هذا الكوكب تتوقف على كمّ من الشروط، وهذه الشروط بدرجة من الكثرة تكاد لا تعد ولا تحصى. وعليه فإنّ ظهور الحياة على وجه الأرض له عوامل ضرورية - سميناها شروطاً - لا بدّ منها، فإذا تخلف عامل من عواملها اللامتناهية انعدمت الحياة واستحال على الكائنات الحية استمرارها، وإن فرض توفر هذه الشروط قد حصل بانفجار المادة العمياء بنحو الصدفة، احتمال ضئيل جداً جداً وهو نسبة الواحد إلى رقم يمينه 76 صفراً وهو احتمال لا يعتمد عليه، لأن المادة الأولى عند انفجارها كانت تستطيع أن تظهر بما لا يحصى من الصور المختلفة والشروط المتعددة التي لا تستقر فيها الحياة إلاّ بصورة خاصة وحالة معينة، فعندئذ يتساءل كيف تفجّرت المادة الأولى إلى هذه الصورة الخاصة التي تمكّن الحياة من الاستقرار بلا مدخلية شعور وعقل واسع.
إن الظاهرة الطبيعية التي تعيش فيها حشرة صغيرة بما تحويه من ملايين العناصر المختلفة قد تركبت بنسب ومعايير معينة خاصة. لو كانت وليدة المادة فبوسع المادة أَنْ تظهر بأَشكال مختلفة غير صالحة لحياة الحشرة، والشكل الصالح لحياتها شكل واحد، فكيف استطاعت المادة الأُولى عن طريق "الصدفة"، من بين الصور الكثيرة الخضوع لصورة واحدة صالحة لحياتها؟!.
مجلة اليقين العدد (21)