إن الأسرة هي المسؤولة عن بثِّ روح المسؤولية واحترام القيم، وتعويد الأبناء على احترام الأنظمة الاجتماعية، ومعايير السلوك.
فضلاً عن المحافظة على حقوق الآخرين، واستمرارية التواصل ونبذ السلوكيات الخاطئة لدى أبنائها، مثل: التعصّب، الذي يعدُّه البعض اتجاهاً نفسياً جامداً، ومشحوناً وانفعالياً.
وكذلك ظواهر أخرى تعد محرمة دينياً، أو التقرُّب منها يُعد عدواناً على حقوق الغير، فمن أجل ذلك ينبغي التعامل مع أسُس القيم المرغوبة على أنها سلوكيات صحيحة، والتعامل معها بثبات لتترسَّخ قواعد هذا النظام، وهذا يتطلب من الكبار الذين يتعاملون مع الطفل أن يكونوا القدوة والمثال في هذا الشأن.
فعلاقة الوالدين أحدهما بالآخر لها الأهمية الكبرى في نسق اكتساب القيم من خلال التربية، وتوافقهما يحقِّق للأبناء تربية نفسية سليمة خالية من العقد والمشكلات التي لا تبدو واضحة للعيان آنياً، وإنما تظهر نتائجها بشكل واضح مستقبلاً.
أما عن القيم التي تعلمها الأسرة لأبنائها فهي عبارة عن مفاهيم تختص باتجاهات وغايات تسعى إليها، كاتجاهات وغايات جديرة بالرغبة.
وتعد القيم بمثابة المعيار المثالي لسلوك الفرد، ذلك المعيار الذي يوجّه تصرفات الفرد وأحكامه، وميوله ورغباته، واهتماماته المختلفة، والذي على ضوئه يُرجّح أحد بدائل السلوك، وإن الفعل أو السلوك الذي يصدر عنه وسيلة يحقق بها توجهاته القيمة في الحياة.
لذا تُعدّ الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية التي تحدِّد لأبنائها ما ينبغي أن يكون في ظل المعايير السائدة.
فمن القيم التي تكسبها الأسر المسلمة لأبنائها، السلوكيات الاجتماعية المتعلقة بالأخلاق، والدين والتعامل مع الآخرين، وآداب المجالسة والوفاء والإخلاص، فقد قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): (لأخِيكَ عَلَيكَ مِثْلَ الَّذِي لَكَ عَلَيهِ)[1].
وقال (عليه السلام) أيضاً: (مَنْ لانَتْ كَلِمَتُهُ وَجَبَتْ مَحَبَّتُهُ)[2].
أثر الأسرة في التنشئة الاجتماعية:
إن آفاق التربية الأسرية تمتدُّ عند بلوغ الطفل سِنَّ السادسة من العمر، حيث يلتحق معظم الأطفال بالمدارس أو مراكز التعليم المختلفة، فتكون قيم الأسرة التي زرعتها في أطفالها قد أثمرت، لتجدَ نفسها أمام مَحك التطبيق العملي الميداني.
وعند التساؤل عن العوامل الأساسية المسؤولة عن تكوين الصفات - الفضائل والرذائل -، وسيطرتها على شخصية الفرد في التعاملات اليومية، نجدها تتحدد في ثلاث فئات أساسية، وهي:
الفئة الأولى: المحددات البيولوجية، وتشمل الملامح أو الصفات الجسمية كالطول والوزن.
الفئة الثانية: المحددات السيكولوجية النفسية، وتتضمَّن العديد من الجوانب كسمات الشخصية ودورها في تحديد التوجهات القيمية للأفراد.
الفئة الثالثة: المحدِّدات البيئية، حيث يمكن تفسير أوجه التشابه والاختلاف بين الأفراد في ضوء اختلافات المؤثرات البيئية والاجتماعية.
فالتنشئة الاجتماعية هي امتداد لتربية الأسرة في البيت، حتى سميت بالتنشئة الأسرية، وهي أولى مهام التنشئة الاجتماعية، وقد تبيَّن أن هناك علاقة بين أسلوب التنشئة الاجتماعية، وما يتبنَّاه الأبناء من قيم.
فالأسرة كمؤسسة اجتماعية لا توجد في فراغ، وإنما يحكمها إطار الثقافة الفرعية التي ينتمي إليها، كما يتمثل في المستوى الاقتصادي الاجتماعي، والديانة وغير ذلك من المتغيرات.