بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
كان الغالب على مجتمعات الجزيرة العربية قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) وبعدها صفة الفقر في العيش، والشدة في التعامل، فقد كانوا يعتمدون في تحصيل معاشهم على الغارات والنهب والحروب، وكانوا يعبدون الأوثان، إلا قليل منهم كان على دين الحنفية.
إن آباء النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا موحدين مؤمنين بالرسالات السماوية، متمسكين بشريعة إبراهيم (عليه السلام)، نقل الشيخ الصدوق عن الأصبغ بن نباتة (رحمه الله) قال: سمعت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول: والله ما عبد أبي ولا جدي عبدُ المطلب ولا هاشمُ ولا عبدُ مناف صنماً قط! قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم (عليه السلام) متمسكين به[1].
وقد أوضح حالَ العرب قبل البعثة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له حيث قال (عليه السلام): (إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ - وأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ - وأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وفِي شَرِّ دَارٍ - مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وحَيَّاتٍ صُمٍّ - تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ - وتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ - الأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ والآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ)[2]، ولكن نلاحظ أن في هذا المجتمع المملوء بالانحرافات وغيرها كانت هناك بيوتات وأُسر عُرفت بالسجايا الطيبة والأخلاق الفاضلة، وقد تربع على قمتها بيت هاشم جد النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد كان يدعى القمر ويسمى زاد الركب، كما أورد ذلك أحمد بن علي الحسيني ابن عنبة (المتوفى 828 هـ) في كتابه[3]: وهو-هاشم- أول من سنَّ الرحلتين لقريش، وقد ورّثَ هذه المنزلة أبناءه من بعده وبالأخص ولده عبد المطلب(رحمه الله)، أورد أبن الأثير (المتوفى 630 هـ) في كتابه[4]: (وكان يقال لهاشم والمطلب: البدران لجمالهما). ومن الجدير بالذكر أن الانسان عندما يعيش في مجتمع غير قائم على العلاقات الإنسانية ويسوده الانحراف ومع كل ذلك تجده يتمتع بالأخلاق الطيبة والسجايا الكريمة، فهذا كاشف عن فضل هذا الإنسان وعظمته، وهكذا كان أجداد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهذا أمير الكلام والبلاغة يصف لنا أجداد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في كلام له أورده ابن ميثم البحراني (المتوفى679 هـ)، في كتاب: شرح نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ، وأَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ، تَنَاسَخَتْهُمْ كَرَائِمُ الأَصْلَابِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ الأَرْحَامِ، كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ سَلَفٌ، قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ الله خَلَفٌ، حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)، فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُهُ خَيْرُ الأُسَرِ وشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وثَمَرٌ لَا يُنَالُ، فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى وبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ وشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ، وزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وسُنَّتُهُ الرُّشْدُ وكَلَامُهُ الْفَصْلُ وحُكْمُهُ الْعَدْلُ، أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ وغَبَاوَةٍ مِنَ الأُمَمِ)[5].
عبد المطلب ونور النبوة
كان عبد المطلب يحمل نور النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد لاحظ ذلك اليهود والكُهّان والملوك أمثال سيف بن ذي يزن ملك اليمن وغيرهم، ثم انتقل هذا النور إلى ولده عبد الله (عليه السلام)، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يفتخر بجده عبد المطلب في مواضع عدة، منها: في معركة حنين فقد ذكروا عند فرار المسلمين عنه، أنه افتخر بجده عبد المطلب، نقل العلامة المجلسي[6] (المتوفى1111هـ): (رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصلت سيفه في المجتلد، وهو على بغلته الدلدل، وهو يقول:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب
أبناء عبد المطلب والذبيح منهم:
روى الصدوق في (الخصال) بسنده عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن وُلد عبد المطلب فقال: عشرة والعباس، يعني: أحد عشر رجلا، ثم قال الصدوق: أسنّهم الحارث - وبه كان يكنى عبد المطلب – وعبد العزى وهو أبو لهب، وأبو طالب - وهو عبد مناف - وضرار، والزبير، والغيداق، والمقوم، والحجل، وحمزة، والعباس، وعبد الله، والد النبي (صلى الله عليه وآله) .
عبد الله (عليه السلام) ثاني الذبيحين:
والد النبي (صلى الله عليه وآله) عبد الله بن عبد المطلب (عليه السلام) ثاني الذبيحين! مع تقديس العرب لإبراهيم (عليه السلام) وللكعبة، فقد اعتنقوا الوثنية وعبادة الأصنام وأشهرها هبل واللات والعزى ومناة، حتى ذبح ملك المناذرة أسيره ابن ملك الغساسنة قرباناً لصنم العُزَّى! وفي ذلك الظرف نذر عبد المطلب (رحمه الله) إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم لله تعالى، قرباناً للكعبة، وعندما تم له عشرة أولاده اقترع بينهم فخرجت القرعة على عبد الله والد النبي (صلى الله عليه وآله)، فعزم أن يذبحه فأمره الله تعالى أن يفديه بقربان من الإبل، فاقترع فجاءت القرعة على مئة من الإبل، فكانت قصته كقصة جده إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) ، ولهذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا ابن الذبيحين، يقصد إسماعيل وعبد الله (عليهم السلام) [7].
نسبه الشريف:
ذكر الشيخ الطبرسي (المتوفي 548هـ) في كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى: عبد الله بن عبد المطلب، واسمه شيبة الحمد، بن هاشم، واسمه عمرو، بن عبد مناف، واسمه المغيرة، بن قصي، واسمه زيد، ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان[8].
زوجته:
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
الزواج المقدس:
كان أعداء الله من اليهود وغيرهم يعرفون علائم النبوة، وقد عرفوا أن النبي الموعود من صلب عبدالله، فأخذوا يخططون لقتله، وكان جده عبد المطلب (عليه السلام) يخشى عليه منهم، وذات يوم خرج عبدالله (عليه السلام) إلى خارج مكة فلحقه جمع من اليهود لاغتياله، فدافع عن نفسه وقتل منهم جماعة، وقد رأى ذلك وهب بن عبد مناف من بني زهرة-والد آمنة (عليها السلام) - فأخبر عبدالمطلب بذلك، فأنقذوا عبدالله من كيد اليهود، قال العلامة المجلسي في بحاره[9]: فلما كان في تلك الليلة أقبل وهب على زوجته برة بنت عبد العزى وقال لها: يا برة لقد رأيت اليوم عجبا من عبد الله ما رأيته من أحد، وهو يكر على هؤلاء القوم، وكلما رماهم بنبلة قتل منهم إنسانا، وهو أجمل الناس وجها مما خصه الله تعالى من الضياء الساطع، فامضي إلى أبيه واخطبيه لابنتنا واعرضيها عليه، فعسى أن يقبلها، فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة، قالت له يا وهب: إن رؤساء مكة وأبطال الحرم وأشراف البطحاء قد رغبوا فيه فأبى عن ذلك، وقد كاتبه ملوك الشام والعراق على ذلك فأبى عليهم، فكيف يتزوج بابنتنا وهي قليلة المال؟ قال لها: إن لي عليهم اليد، إنني أخبرتهم بأمر عبد الله مع اليهود، ثم إن برة قامت ولبست أفخر أثوابها وخرجت حتى أتت دار عبد المطلب فوجدته يحدث أولاده بالخبر، فقالت: أنعم الله مساءكم، ودامت نعماءكم، فرد عليها عبد المطلب التحية والاكرام، وقال لها: لقد سلف لبعلك اليوم علينا يد لا نقدر أن نكافيه أبدا، وله أياد بالغة بذلك، وسنجازيه بما فعل إن شاء الله تعالى، فطمعت برة في كلامه، ثم قال: بلغي بعلك عنا التحية والإكرام وقولي له: إن كان له لدينا حاجة تقضى إن شاء الله مهما كانت، فقالت له برة: يا أبا الحارث قد طلبنا تعجيل المسرة، وقد علمنا أن ملوك الشام والعراق وغيرهم تطاولت إليكم، وقد رغبوا في ولدكم يطلبون أولادكم وأنواركم المضيئة، ونحن أيضا طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبد الله، ورجوناه مثل من رجا، وقد رجا وهب أن يكون عبد الله بعلا لابنتنا، وقد جئناكم طامعين وراغبين في النور الذي في وجه ولدكم عبد الله، ونسألكم أن تقبلونا، وهي هدية منا لابنك عبد الله، فلما سمع عبد المطلب كلامها نظر إلى ولده وكان قبل ذلك إذا عرض عليه التزويج من بنات الملوك يظهر في وجهه الامتناع، وقال أبوه: ما تقول يا بني فيما سمعت؟ فوالله ما في بنات أهل مكة مثلها، لأنها محتشمة في نفسها طاهرة مطهرة، عاقلة دينة، فسكت عبد الله ولم يرد جوابا، فعلم أبوه أنه قد مال إليها، فقال عبد المطلب: قد قبلنا دعوتكم، وأجبنا ورضينا بابنتكم، قالت فاطمة زوجة عبد المطلب: أنا أمضي معك إليها حتى أنظر إلى آمنة، فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها، فرجعت برة مسرورة بما سمعت، ثم سارت إلى زوجها مسرعة وبشرته وسمعت أم آمنة هاتفا في الطريق يقول: (بخ بخ لكم يا معشر أهل الصفا، قد قرب خروج المصطفى)، فدخلت على زوجها فقال: وما وراءكِ ؟ قالت: لقد سعدت سعادة علا قدرك في جملة العالمين، اعلم أن عبد المطلب قد رضي بابنتك، فقال لها وهب بن عبد مناف: أخرجي هذه الساعة إلى ابنتك وزينيها، فعمدت برة إلى بنتها وألبستها أفخر ما عندها من الثياب، وقالت لها: يا ابنتي إذا أتتك فاطمة فتأدبي لها أحسن الأدب، وارغبي في النور الذي في وجه ولدها عبد الله، فبينما هما في ذلك إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل، وإذا بعبد المطلب فأدخلوا فاطمة، فقامت لها آمنة إجلالا وتعظيما ورحبت بها أحسن المرحب، فنظرت إليها فاطمة وإذا بها قد كساها الله جمالا لا يوصف، فلما رأت فاطمة ذلك الحسن والجمال وقد أضاء من نور وجهها ذلك المجلس، قالت فاطمة: يا برة ما كنت عهدت أن آمنة على هذه الصورة ولقد رأيتها قبل ذلك مرارا، فقالت برة: يا فاطمة كل ذلك ببركتكم علينا، ثم خاطبت فاطمة آمنة وإذا هي أفصح نساء أهل مكة، فقامت فاطمة وأتت إلى عبد المطلب وعبد الله، وقالت: يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبدا، ولقد ارتضيتها، وإن الله تعالى لا يودع هذا النور إلا في مثل هذه، ولما وقع الحديث بين وهب وبين عبد المطلب في أمر ابنته آمنة، قال وهب: يا أبا الحارث هذه آمنة هدية مني إليك بغير صداق معجل ولا مؤجل، فقال عبد المطلب جزيت خيرا ولابد من صداق، ويكون بيننا وبينك من يشهد به من قومنا،....... فلما طلع الفجر أرسل عبد المطلب إلى بني عمه ليحضروا خطبتهم، ولبس عبد المطلب أفخر أثوابه، وجمع وهب أيضا قرابته وبني عمه فاجتمعوا في الأبطح، فلما أشرف عليهم الناس قاموا إجلالا لعبد المطلب وأولاده، فلما استقر بهم المجلس خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النكاح، وقام عبد المطلب فيهم خطيبا، فقال: (الحمد لله حمد الشاكرين، حمدا استوجبه بما أنعم علينا وأعطانا، وجعلنا لبيته جيرانا، ولحرمه سكانا، وألقى محبتنا في قلوب عباده، وشرفنا على جميع الأمم، ووقانا شر الآفات والنقم، والحمد لله الذي أحل لنا النكاح، وحرم علينا السفاح، وأمرنا بالاتصال وحرم علينا الحرام، اعلموا أن ولدنا عبد الله هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم آمنة بصداق معجل ومؤجل كذا وكذا، فهل رضيتم بذلك من ولدنا؟ قال وهب: قد رضينا منكم، فقال عبد المطلب: اشهدوا يا من حضر، ثم تصافحوا وتهانوا وتصافقوا وتعانقوا، وأولم عبد المطلب وليمة عظيمة، دعا فيها جميع أهل مكة وأوديتها وشعابها وسوادها، فأقام الناس في مكة أربعة أيام، وفي التاسع عشر من جمادى الآخرة كان الزواج الميمون واجتمع النور مع النور.
قال اليعقوبي في تاريخه[10]: وبعد حفر زمزم بعشر سنين، وبعد الفداء عن عبد الله بسنة واحدة كان تزويجه بآمنة بنت وهب، وكان سنه يوم تزويجها أربعا وعشرين سنة، وروى اليعقوبي عن الصادق (عليه السلام): أنه كان بين تزويج أبي رسول الله بأمه وبين مولده عشرة أشهر.
آباء النبي (صلى الله عليه وآله):
ذكر السيد جعفر العاملي في كتابه الصحيح من السيرة[11]: تفرد مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بأن آباء النبي (صلى الله عليه وآله) كلهم مؤمنون، قال أبو حيان الأندلسي: (ذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا مؤمنين). أما غير الإمامية فذهب أكثرهم إلى أن آباء النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا كفاراً، ويستدل لما ذهبت إليه الإمامية بالخطب والأشعار الكثيرة التي أثرت عنهم التي فيها ذكر لله تعالى وتصريح بالتوحيد ونبوة إبراهيم، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك، ثم أن السيد العاملي قال: ويمكن أن يستدل على إيمان آبائه (صلى الله عليه وآله) إلى إبراهيم (عليه السلام) بقوله تعالى حكاية لقول إبراهيم وإسماعيل: (وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا) [12]، مع قوله تعالى: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [13]، أي: في عقب إبراهيم، فيدل على أنه لا بد أن تبقى كلمة الله في ذرية إبراهيم، ولو في واحدٍ واحدٍ، على سبيل التسلسل المستمر فيبقى أناس منهم على الفطرة، يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة، ولعل ذلك استجابة منه تعالى لدعاء إبراهيم (عليه السلام) الذي قال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) [14]، وقوله: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) [15]، ومن الواضح: لو أنه تعالى قد استجاب لإبراهيم في جميع ذريته لما كان أبو لهب من أعظم المشركين، وأشدهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ما يفسر الإتيان بـ(من) التبعيضية في قوله: (وَمِن ذُرِّيَّتِي)، فعلى هذا فإن آباء النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا موحدين مؤمنين بالرسالات السماوية، متمسكين بشريعة إبراهيم (عليه السلام)، وقال اليعقوبي في تاريخه[16]: إنه – عبد المطلب - كان يوحد الله عز وجل، وقد رفض عبادة الأصنام، وسن سننا سنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل بها القرآن، وهي: الوفاء بالنذر، ومائة من الإبل في الدية، وأن لا تنكح ذات محرم، ولا تؤتى البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموؤدة، والمباهلة، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا والحد عليه، والقرعة، وأن لا يطوف أحد بالبيت عريانا، وإضافة الضيف، وأن لا ينفقوا إذا حجوا إلا من طيب أموالهم، وتعظيم الأشهر الحرم، ونفي ذوات الرايات فكانت قريش تقول: عبد المطلب إبراهيم الثاني.
لتحميل الملف اضغط هنا
[1] كمال الدين للشيخ الصدوق ص174.
[2] نهج البلاغة، تحقيق صالح ص68.
[3] عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص25.
[4] الكامل في التاريخ ج2 ص17.
[5] شرح نهج البلاغة ج2، ص395.
[6] بحار الأنوار ج21 ص179.
[7] جواهر التاريخ للشيخ الكوراني العاملي ج1 ص94.
[8] كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى: ج1.
[9] بحار الأنوار: ج15 ص91.
[10] تاريخ اليعقوبي ج2 ص7.
[11] كتاب الصحيح من السيرة: ج2 ص73.
[12] سورة البقرة: آية 128.
[13] سورة الزخرف: آية 28.
[14] سورة إبراهيم: آية 35.
[15] سورة إبراهيم: آية40.
[16] تاريخ اليعقوبي ج2 ص10.