دولة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وآمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الاسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله تعالى يقول: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون[1] وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (عليهما السلام)، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا لبره لشمول الغنى جميع المؤمنين)[2].

انتظار الفرج

  منذ بداية الغيبة الكبرى للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عام 329هـ، والشّيعة يعدّون الدقائق والسّاعات والأيّام والسّنوات منتظرين ظهوره المبارك الموعود لـ (يَمْلأَ الأرْضَ قِسْطاً وعَدْلاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجوراً)[3] ، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [4]، ويسألون الله تعالى أن يكونوا في ركبه ومن جنده المجاهدين والمستشهدين بين يديه.

ولكن فترة الغيبة غير معلومة الأمد، وقد كذَّب الأئمّة (عليهم السلام) كلَّ من وقَّتها، كما في الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) حين سأله أحد أصحابه: لهذا الأمر وقت؟ فقال (عليه السلام): (كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ)[5].

 فالتوقيتُ غيرُ معلومٍ، والغيبة لم تقتصر على يوم أو يومين، وإنّما كانت طويلة، كما أشارت الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): (أَما واللهِ لَيَغيَبنَّ إمامكُمْ سنيناً مِنْ دَهْرِكُمْ وَلَتُمَحَصُنَّ حَتَّى يُقال: ماتَ، قُتِلَ، هَلَكَ، بِأَيِّ وادٍ سَلَكَ؟ وَلَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عيونُ المُؤمِنينَ)[6].

وفي هذه الفترة سيعيش أجيال ومؤمنون مكلّفون بأحكامٍ شرعيّةٍ يؤدّون دورهم في هذه المسيرة الإلهيّة المباركة، فما هو دور المؤمن في زمن الغيبة؟

إنّ تكليف المؤمن في زمن الغيبة يُختصر بعبارة واحدة، هي: (انتظار الفرج) حيث ورد عن الإمام العسكريّ (عليه السلام) أنّه قال: (عليكَ بالصبرِ وانتظارِ الفرجِ، فإنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) قال: أفضلُ أعمالِ أمَّتي انتظارُ الفرجِ)[7].

فما معنى الانتظار، وما هو المقصود منه؟

1- الانتظار السلبيّ:

في النظرة الساذجة قد يتصوّر الإنسان أنّ المقصود من الانتظار هو المكوث دون حراكٍ وعملٍ للتغيير، كالغريق الّذي ينتظر فريق الانقاذ، ويعيش أمل مجيئه قبل الغرق، لكنّه لا يقاوم من أجل النجاة.

وهذا يعني أنّ الوظيفة الأساس للمؤمنين في عصر الغيبة هي أن يعيشوا أمل ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) دون أن يسعوا لتغيير الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ، فيقتصر دورهم ـ ليبقى الأمل فيهم ـ على مراقبة علامات الظهور الواردة في النصوص، فإذا شعروا بانطباق علامة على حدث ما يكبر أملهم، فيثبتون على الانتظار، لكن دون أيّ عمل تغييريّ.

2- الانتظار الإيجابيّ:

وفي مقابل ذلك كان الفهم الإيجابي للانتظار، كانتظار المقاتلين في ساحات المعركة قدوم جيش كبير ليدعمهم، فهم يقاتلون، وقد يحققّون انتصارات في بعض المواقع، وهم في قتالهم الأعداء يعيشون أمل مجيء جيش المقاتلين الكبير الّذي سيحقّق النصر الكاسح على الأعداء. إنّهم بقتالهم هذا يعتقدون أنّهم يمهّدون الساحة لمجيء ذلك الجيش المنتظر، بل يعتقدون أنّ قتالهم له دور في استقدام ذلك الجيش، وهم حينما يشعرون ببعض البشائر المقرّبة لمجيء الجيش يدفعهم ذلك إلى الإصرار على استمراريّة القتال.

إنّ هذا هو حال المنتظرين إمامهم الغائب، العاملين في غيبته على تمهيد الأرض لظهوره المبارك، فهم ـ بحقّ ـ الممهّدون لظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذا ما أشارت إليه بعض الروايات، كتلك الرواية الحاكية عن الراية التي تقاتل أعداء الإمام (.. حتّى تنزِل ببيتِ المقدسِ تُوَطِّئ للمهديِّ سلطانهَ)[8].

إعداد المنتظرين

أَعدَّ هؤلاء المنتظرون أنفسهم لتكون لائقةً بالتمهيد لإمامهم العظيم الّذي سيحقّق حلم الأنبياء والأوصياء عبر التاريخ، وهم في دعائهم لله يردّدون واجعلني من أنصاره، وفي زيارتهم لإمامهم يقولون ونُصرتي لكمُ معدَّة.

ويتمثّل هذا الإعداد بعدّة أمور، منها:

أوّلاً: الإخلاص لله تعالى: وهو على رأس قائمة الإعداد، فغير المخلِص لله لا يملك لياقة أن يكون منتظراً، ولذلك كان الإخلاص شرطاً أساسيّاً للانتظار، كما جاء في حديث للإمام الجواد (عليه السلام): (.. ينتظرُ خروجَهُ المخلصونَ)[9].

ثانياً: القوّة: يتحدّث الإمام الصادق (عليه السلام) بشكل واضح أنّ حفيده المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف (وما يخرج إلّا في أولي قوّة)[10] وهذه القوّة وإن كانت تتحقّق بالتدرّب على السلاح والقتال إلّا أنّ الأساس فيها هو قوّة القلب الّتي تنتج الثبات أمام كلّ الابتلاءات، من هنا ورد في وصف الّذين يتشرّفون بالانتساب إلى خاتم الأوصياء في عمليّة التغيير الشاملة. (إنّ قلب رجلٍ منهم أشدُّ من زُبُرِ الحديدِ لَوْ مَرّوا بالجبالِ الحديدَ لتَدَكْدَكَتْ، لا يَكُفّونَ سيوفهُمْ حتَّى يرضَى اللهُ عزَّ وجلَّ)[11].

ثالثاً: رجاء الشهادة: إنّ المنتظرين لإمامهم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعيشون العقيدة الحقّة باليوم الآخر وبثواب الجنّة الّتي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهم يتعطّشون للّحوق بركب الشهداء الّذي يسير في ساحة يوم القيامة بمشهد عظيم وصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه (يستدعي تَرَجُّلَ الأنبياءِ لَوْ رَأَوْهُمْ لِما يَرَوْنَ مِنْ بَهائِهِمْ) لذلك كان السائرون في مسيرة الانتظار، كما وصفهم الإمام الصادق (عليه السلام): (يَدْعُوْنَ بِالشَّهادَةِ، وَيَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُقْتَلوا في سبيلِ اللهِ)[12].

رابعاً: إطاعة وليّ الأمر في غيبته: فالمنتظرون للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حقّاً هم السائرون في خطّ ولايته المتمثّل بولاية وليّ الأمر الّذي دعانا هو ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ إلى طاعته بقوله: (أمّا الحوادِثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رواةِ حديثِنا فإِنَّهُمْ حُجَّتي عَلَيْكُمْ وأنا حُجَّةُ الله)[13].

لذا ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (طوبى لِمَنْ أدركَ قائمَ أهلِ بيتي وَهُوَ مُقْتَدٍ بهِ قبلَ قيامِهِ يتولّى ولِيَّه ويتبرَّأ من عدُوِّه)[14].

* ملخص عن كتاب معارف الإسلام / إعداد مركز نون للترجمة والتأليف.

 

المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (66) ـ الصفحة: 20 - 21.

 


[1] آل عمران: 83.

[2] الارشاد، الشيخ المفيد: ج2، ص384.

[3] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص419.

[4] سورة الانبياء: 105.

[5] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص368.

[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص336.

[7] مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب: ج 3 ص 527.

[8] مخطوطة ابن حماد: ص 84 و74.

[9] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 378.

[10] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 654.

[11] شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي: ج3، ص569.

[12] بحار الانوار، المجلسي: ج52، ص308.

[13] وسائل الشيعة: ج27، ص 140.

[14] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 287.