كنتُ ذاهباً لزيارة أمير المؤمنين(عليه السلام) ذات يوم، كان قد بَدَتْ شيبتي وكبر سني، فإذا بشاب في مقتبل العمر توجّه لي بسؤال قائلاً: يا عم قد اختلفت مع أصدقائي في مسألة عن الفرق بين العهد واليمين، وكفّارة كل منهما لو لم يلتزم المرء بهما فما الفرق بينهما؟
فقلت للشاب: وإنْ لم أكنْ من طلبة العلوم الدينية، إلا أني بحكم اطلاعي على الرسالة العملية للسيد السيستاني (دام ظله) وسؤالي لطلبة العلم كلما سنحت لي عن المسائل الشرعية أصبح لدي رصيد لا يستهان به من المعلومات الدينية ما أقوّم به نفسي وديني، فيا ولدي ردّاً على سؤالك، نقض العهد يعتبر من الكبائر.
فقال الشاب: أهو من الكبائر؟
قلت له: نعم، هو من الذنوب العظيمة، فإذا ظن شخص أنّه قطع عهداً معيّناً على نفسه واطمأنّ بذلك، وجب الوفاء به.
فقال الشاب: وإذا لم أطمئنّ بتحقّق العهد؟
أجبته: لم يجب.
فقال الشاب لي: فكيف تكون صيغة العهد؟
قلت للشاب: يتحقّق العهد بقولك: (عاهدت الله أن أفعل كذا..)، أو (عليَّ عهد الله بفعل كذا..)، فعندها يجب عليك الالتزام بما عاهدْتَ عليه، فلا يصحّ بدون صيغة محدّدة.
فقال الشاب: فما معنى العهد؟
قلت: معناه أن تلتزم بفعل شيء معين، أو تركه لله تعالى، وبشروط معينة لو تحقّقت وجب الوفاء به.
فقال الشاب: وما شروطه؟
قلت له: أن يكون بصيغة تشتمل على لفظ «لله» أو ما يشابهه من أسمائه المختصّة به، سواء أدّاها باللغة العربيّة أمْ بغيرها، وأنْ يكون الشيء المعهود حسناً راجحاً شرعاً حين العمل، ويشترط في الشخص الُمعاهِد البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، وعدم الحجر عمّا تعلّق به عهده، وأن يكون الشيء الُمعاهَد عليه مقدوراً على الإيفاء به من قبل المُعاهِد، وإلّا لم يصحّ، وإذا خالف إنسان عهده عامداً، وجبت عليه الكفّارة.
فقال الشاب: وما كفارته؟
فأجبْتُ الشاب: هي عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين.
فقال الشاب: هذا هو العهد وقد عرفته، فما اليمين؟
قلت: اليمين هو القسم، ويشترك مع العهد في أمور منها: أن يكون القَسَم بالله تعالى، كما العهد، كقولك: «والله أو بالله أو تالله لأفعلَنَّ»، أو «أُقْسم بربِّ المصحف»، أو غير ذلك، وأن يكون ما أقْسَمَ عليه مقدوراً ومستطاعاً حين الوفاء به، وراجحاً شرعاً، ويكفي لو كان مباحاً إذا حلف أو أقْسَم على فعله لمصلحة دنيويّة، ولو كانت شخصيّة، ويشترط في الحالف التكليف والقصد والاختيار والعقل.
ولا يتعلّق اليمين أو القسم بفعل الإنسان الآخر كقولك مخاطباً شخصاً: «والله لتفعلنَّ»، ولا بالزمن الماضي، ولا يترتب أي أثر على يمين كهذا.
كما لا ينعقد يمين أو قَسمُ الولد إذا منعه أبوه، ويمين الزّوجة إذا منعها زوجها.
فقال الشاب لي: وهل قَسمُ الإنسان على صدق كلامه، وهو صادق بالفعل، محرم؟
قلت له: ليس محرّم ولكنّه مكروه، نعم، الأيمان الكاذبة هي المحرّمة، وتعتبر من المعاصي الكبيرة.
فقال الشاب: ولو خالفت اليمين عامداً هل تجب الكفّارة عليّ؟
فقلت للشاب: تجب عليك الكفّارة.
فقال الشاب: وهل تختلف عن كفّارة العهد وما مقدارها؟
قلت له: نعم، ففي اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ومع العجز عن ذلك تصوم ثلاثة ايّام متواليات.
فقال الشاب لي: شكراً لله ولك يا عم ونفع بك.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (26)