النبي (صلى الله عليه وآله) ومستقبل الرسالة

لم يكن انتقال النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) إلى جوار ربه أمراً مفاجئاً للمسلمين، فقد أخبر القرآن الكريم بهذه الحقيقة التي تشمل الأنبياء كذلك قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) في آخر حياته الكريمة يخبر عن دنو أجله في بعض حديثه مع المسلمين.

 وهنا يخطر إلى الذهن سؤال وهو: هل كان(صلى الله عليه وآله) مهتمّاً بمستقبل الإسلام والمسلمين من بعده، أم أنه لم يكن مهتماً بذلك؟ والجواب يظهر عندما نجزم أن عدم اهتمامه بمستقبل الإسلام والمسلمين يعدّ أمراً سلبياً ولا يلائم مقام نبوته(صلى الله عليه وآله)، كيف وهو الذي قدّم التضحيات من أجل تشييد هذا الدين القيم.

ومن جهة أخرى أن الاطمئنان بعدم وجود خطر على الدين في المستقبل، هو من الأمور المخالفة للحكمة، خصوصاً في مجتمع حديث عهد بالإسلام، فربما يحتفظ بعضهم بنزعة جاهلية لا يستطيع إشباعها في حضور النبي(صلى الله عليه وآله) فما زال المجتمع يعتمد الانتماءات القبلية، والنزاعات المتعلقة بها، إضافة إلى الخطر الخارجي المحتمل أن يضر الإسلام.

إن إهمال مسألة القيادة مع هذه الاحتمالات المتوقعة أمر لا يتلاءم مع مبدأ الحكمة، ولا يُعَدّ اهتماماً بالدين، فلا يتصوّر أن النبي(صلى الله عليه وآله) يفرّط بالرسالة.

ويتأكد احتمال وجود الخطر على الإسلام بإخبار النبي(صلى الله عليه وآله) عن بعض الفتن والمشاكل التي ستحدث في المستقبل، وتحذريره المسلمين منها، مما يدل على اهتمامه بمستقبل الرسالة، وكان يتوقع حصول أحداث تضر بالإسلام، بل إن القرآن الكريم ذكر التداعيات الخطيرة بعد رحيله(صلى الله عليه وآله) قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)[1].

لذلك فإن حرص الرسول(صلى الله عليه وآله) على الدعوة واهتمامه بمستقبل الأمة يستدعي أن يعالج موضوع الفراغ القيادي الذي سيحدث بوفاته.

الشورى وحل مشكلة القيادة:

يوجد خياران أمام النبي(صلى الله عليه وآله) في سبيل الاطمئنان على مستقبل الأمة الإسلامية، الأول: الشورى والانتخاب، والثاني: النص على شخص معين ليكون الإمام والخليفة من بعده، والشورى قائمة على أن الصحابة تربّوا على يد الرسول(صلى الله عليه وآله) وعلى عاتقهم تقع مسؤولية اختيار الإمام والخليفة، على أساس الشورى والانتخاب من قبلهم.

لكن المتتبّع لحياة النبي(صلى الله عليه وآله) لا يجد أنه(صلى الله عليه وآله) يميل إلى الشورى، كمنهج ونظام للحكم، لأنه لو كان يعتبرها لأكّد عليها في أوساط الأمة، ولكان بيّن معالمها وضوابطها، فمن هم أهل الشورى؟ جميع الناس؟ أم المهاجرين خاصة؟ أم الأنصار خاصة؟ أم هم أهل الحل والعقد من الطرفين؟ ومن هم بالتحديد؟ وهل هي بالإجماع أو الأكثرية؟ كل ذلك ليس واضحاً من خلال حديث الرسول(صلى الله عليه وآله) أو سيرته.

ومن يشكّ -بعد هذا البيان- في أن النبي(صلى الله عليه وآله) لا يريد مبدأ الشورى، فإن تخلف كبار شخصيات الإسلام عن اجتماع السقيفة دليل على عدم ارتضائه(صلى الله عليه وآله) هذا المبدأ طريقاً لسدّ الفراغ القيادي لحماية الدين الإسلامي من الأخطار والانحرافات، إن لم تكن الشورى بداية تلك الانحرافات، كيف لا وقد صرح النبي(صلى الله عليه وآله) بخلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) في مواضع عديدة، لا سيما يوم الدار حينما سألهم النبي(صلى الله عليه وآله): «فَأَيُّكُمْ يُوَازِرُنِي عَلَى أَمْرِي هَذَا، عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَوَصِيِّي وَوَلِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ؟ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ عَنْهَا غير علي(عليه السلام) ـ وكان أصغرهم ـ إذ قام فقال: أَنَا يَا نَبِيَّ الله أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ، فأخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) برقبته وقال: إِنَّ هَذَا أَخِي، وَوَصِيِّي، وَوَزِيرِي، وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ، وَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعَ لاِبْنِكَ، وَتُطِيعَ»[2].

فإنكار الصحابة لشورى السقيفة ونتائجها لم يكن أمراً عبثياً، وإنما لعلمهم أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد نصّ على خليفة مخصوص، ولم يعوّل في ضمان مستقبل الإسلام على الشورى.

وعلى رأس الصحابة الذين تخلّفوا عن الشورى أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثم أبو ذر، وسلمان، والزبير، وأبيّ بن كعب، والمقداد بن الأسود، وسعد بن عبادة، وحذيفة بن اليمان، وخزيمة بن ثابت، وأبو بريدة الأسلمي، وسهل بن حنيف، وقيس بن سعد، وأبو أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله. وغيرهم، وكل هؤلاء من الصحابة العظماء وأصحاب فضل بإجماع المسلمين.

والنتيجة: أن التصريح من النبي(صلى الله عليه وآله) بأن علياً(عليه السلام) وصيه ووزيره، وتخلف الصحابة وإنكارهم شورى السقيفة دليل على أنه(صلى الله عليه وآله) لا يرتضي مبدأ الشورى.

مجلة ولاء الشباب العدد (38)

 


[1] آل عمران: 144.

[2] كنز العمال: ج15، ص115.