لماذا نكرر التوبة؟!

لماذا يذنب الإنسان ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب؟

لماذا كلما تاب الإنسان عاد الى الذنب؟

الإنسان يصلي ويستغفر ويتوب، ثم يعود الى الذنب من الغيبة والنظرات المشبوهة وعصيان الوالدين وظلم العيال!

لماذا لا يثبت ويصمد على التوبة!

الهي (مَالِي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ صَلُحَتْ سَرِيرَتِي، وَقَرُبَ مِنْ مَجَالِسِ التَّوَّابِينَ مَجْلِسِي، عَرَضَتْ لِي بَلِيَّةٌ أَزَالَتْ قَدَمِي، وَحَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ سَيِّدِي لَعَلَّكَ عَنْ بَابِكَ طَرَدْتَنِي، وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُسْتَخِفّاً بِحَقِّكَ فَأَقْصَيْتَنِي) مقطع من دعاء أبي حمزة الثمالي لماذا أصرّ على الذنب وأعود له بعد التوبة؟

هناك أسباب تجعلُ الإنسان يُصرّ على الذنب:

الأول: سوء التربية، إذا تربّى الإنسان على أنْ لا يبالي بالخطأ، كلما يذنب قيل له لا يهمّ سوف تصبح جيداً في المستقبل، كلما أذنب قيل لي لا تقلقْ! لم تفعل شيئاً كبيراً هذا غبار بسيط، سوف تبدّده الرياح وينتهي، كلّما أذنب قيل له لا تفكّرْ ولا تغتمّ، هو أمر عابر وسيمرُّ بسهولة، فإذا تربّى على عدم المبالاة بالذنوب كَثُرتْ جرأته على الله، وكَثُر اعتدائه على حرمات الله، لأنه أصبح شخصاً غير مبالٍ بالذنوب والأخطاء والمعاصي، ويتحمّل هذا الأمر السيء أسرتي، والذي علمني على هذا، رحم الله والدين حملا ولدهما على طاعة الله.

الثاني: قلّةُ الحياء من الله، لعل الوالدين يربّيان ولدهما على الطاعة، لكنّه قليلُ الحياء مع الله، هو يستحي من الناس أمام أسرته وصديقه لكنّه لا يستحي أنْ يرتكب الذنب أمام الله، فهو يتعامل مع الله بقلّة الحياء، وهو لا يستحي من ربّه، الى متى! (أَنَا يَا رَبِّ الَّذِي لَمْ أَسْتَحْيِكَ فِي الْخَلاَءِ، وَلَمْ أُرَاقِبْكَ فِي الْمَلأَ، أَنَا صَاحِبُ الدَّوَاهِي الْعُظْمَىٰ، أَنَا الَّذِي عَلَىٰ سَيِّدِهِ اجْتَرَأْ، أَنَا الَّذِي عَصَيْتُ جَبَّارَ السَّمَاءِ، أَنَا الَّذِي أَعْطَيْتُ عَلَىٰ مَعَاصِي الْجَلِيلِ الرُّشَىٰ، أَنَا الَّذِي حِينَ بُشِّرْتُ بِهَا خَرَجْتُ إِلَيْهَا أَسْعَىٰ) مقطع من دعاء أبي حمزة الثمالي كلما تقدّم به العمر ازدادت ذنوبه أما آنَ للإنسان أنْ يستحي من ربه.

الثالث: ضعف الخوف من الله، نحن نخاف من الناس ومن الأسرة، لكنّا لو كنا نخاف من الله خوفاً حقيقياً لما أقدمنا على المعاصي بكلّ جرأة (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[1] ورد عن الإمامِ الصّادقِ(عليه السلام): خَفِ الله كأنّكَ تَراهُ، فإنْ كُنتَ لا تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ، فإنْ كُنتَ تَرى أنّهُ لا يَراكَ فَقد كَفَرتَ، وإنْ كُنتَ تَعْلَمُ أنّهُ يَراكَ ثُمَّ اسْتَتَرْتَ عنِ المَخْلوقينَ بالمَعاصي وبَرَزْتَ لَهُ بِها فَقد جَعَلْتَهُ في حَدِّ أهْوَنِ النّاظِرينَ إلَيكَ)[2].

الرابع: ضعف الإرادة، الإنسان لو امتلك إرادة قوية لوقف أمام شهوته وغريزته، لكنّه لا يملك شجاعةً وعزماً وإرادةً كي يُقلع عن المعصية، فمجرّد أن تعرض له معصية ينقاد وراء نفسه ويسترسل وراء شهواتي (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[3].

وفي النهاية نقول العاقل هو الذي يغتنم الفرصة إذا سنحتْ، وهذا باب التوبة الواسع أكبر وأصدق فرصة وضعها الله تعالى بين يدي عباده (إلهِي أَنْتَ الَّذي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ بَابَاً إلَى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، فَقُلْتَ: (تُوبُوا إلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحَاً)، فَما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ الْبابِ بَعْدَ فَتْحِهِ.) مقطع من مناجاة التائبين.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (26)

 


[1]  الأنعام: 15.

[2] بحار الأنوار: ج70، ص386.

[3] النازعات:40 – 41.